طارق الشناوي عن "قرطاج": هقول كل اللي في قلبي

نقلًا عن المصري اليوم

أختلف تماما مع بيت الشعر الشهير الذي بات من معالم تراثنا العربي (وعين الرضا عن كل عيب كليلة)، بل أرى أن العكس هو الصحيح أن عين المحب يجب ألا تغض الطرف أبدا عما تراه من سلبيات، ونعود جميعا إلى الحكمة التي أراها جديرة بنا الآن كعرب نقف جميعا في مفترق الطرق، وهي (صديقك من صدقك وليس من صدّقك).

الرصد النقدي مهم جدا لهذا المهرجان الذى عاد في السنوات الأخيرة يعقد سنويا رافعا نفس الشعار، التوجه العربي الأفريقي الذى بدأ به وإن كان البعض يجعل الأفريقي سابقًا على العربي على أساس أن عدد الدول التي تنتمى لأفريقيا يربو على أكثر من ضعف الدول العربية مجتمعة، المهرجان بدأ فعالياته قبل نحو نصف قرن تزيد عاما واحدا 1966، وبدأت علاقتي بالمهرجان قبل نحو ربع قرن، تحديدا عام 92، (قرطاج) هو المهرجان العربي الكبير الثاني الذى أحضره بعد (دمشق) بعام واحد فقط الذى كان بينه في الماضي و(قرطاج) نوع من التوأمة يتبادلان التواجد، كل منهما يُعقد مرة كل عامين، حتى يترك المجال مفتوحا للآخر، (قرطاج) السنوات الزوجية ودمشق الفردية.

تلقيت الدعوة لمهرجان قرطاج أول مرة أثناء تواجدي في مهرجان هام كان يعقد في باريس (بيناللى السينما العربية) كانت تتولى قيادته الباحثة السينمائية د. ماجدة واصف، وهي التي أنشأته أيضا عام 92، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف علاقتي بالمهرجان حتى عام 2006، رغم تغير الإدارات إلا أنني كنت دائما حاضرا، حتى لو تقلص العدد إلى ناقد مصري واحد لأسباب سياسية، وفي عالمنا العربي كثيرا ما تدفع الثقافة ثمن الصراعات السياسية، كنت أنا هذا الناقد، وكانت المجلة التي أنتمى إليها (روز اليوسف) هي الأكثر حضورا في الشارع التونسي، ثم توقفت الدعوة لأسباب لا أعرفها ولم أسأل عنها، حتى عادت منذ العام الماضي، المهرجان تقيمه وزارة الثقافة، وهى تمنح رئيس المهرجان فقط دورتين وغير ملتزمة بأن المسؤول يشغل بالضرورة موقعا كبيرا في الوزارة، فمن الممكن استدعاء من هم خارجها، إلا أنها ملتزمة فقط بمدتين كحد أقصى، وذلك من أجل تغيير دماء وأفكار المسؤول عن المهرجان.

مكان الافتتاح دائما ما يصبح معضلة المهرجان، الفندق الذى تُقام فيه أغلب الفعاليات (أفريقيا) يقابله واحدة من أقدم دور العرض في تونس (الكوليزى)، والدورات في البدايات أغلبها- ربما أيضا لأسباب أمنية- كانت تفضل أن يقام حفل الافتتاح بدار العرض تلك، ولقد حرصت دار العرض هذا العام على التجديد في الشكل الخارجي، ولكن لاتزال لا تليق بافتتاح هذا المهرجان العريق، التغيير أغلبه شكلي، والمقاعد عمليا منهكة غير صالحة، ناهيك عن مشكلات في الهندسة الصوتية، كما أن القطط بين الحين والآخر تخترق دار العرض وكأنها صارت بأصواتها جزءا من العرض السينمائي، يختلط عليك الأمر أحيانا هل مواء القطة له علاقة بالحدث المعروض على الشاشة أم بدار العرض؟! تونس تعانى مثل مصر من تضاؤل عدد دور العرض، ولكن كما يبدو معاناة تونس أكبر في تحديث دور العرض التي أراها بحاجة إلى دعم أكبر من الدولة.

طموح قرطاج خفت في السنوات الأخيرة في اكتشاف الأفلام عربياً بينما أفريقياً لايزال، في الساحة العربية لا يحظى قرطاج بالعرض الأول والمفروض أن يواصل المهرجان اكتشافه للسينما العربية كما كان يحدث حتى مطلع الألفية الثالثة، وهو بالمناسبة ما يعانى منه مهرجان القاهرة، في العام الماضي مثلا عرض (اشتباك) المصري الذى سبق أن تواجد في العديد من المهرجانات، وهو ما ينطبق هذه الدورة على العديد من الأفلام العربية مثل (ميل يا غزيل) اللبناني و(الشيخ جاكسون) المصري.

اللغة الأولى للمهرجان هي العربية والثانية الفرنسية، ولهذا تضاف أيضا الإنجليزية، وهذا هو بالضبط ما حدث في افتتاح المهرجان هذه الدورة، إن كانت اللغة الإنجليزية مصاحبة للفعاليات مع العربية والفرنسية، ولكن العديد من الأفلام ليست كذلك، حتى إن بعض الأفلام التونسية مثل (الشرس) مثلا كانت اللغة الأولى هي الفرنسية وليس العربية، والدليل أن الأحداث التي كانت تجري في بداية الفيلم بالفرنسية لم تتم ترجمتها للعربية، بينما الأحداث التي جرت في تونس ترجمت للفرنسية.

وتبقى فى الحقيقة جزء أنا مدرك تماما حساسيته المفرطة والمتعلقة بأغلب أفلام المغرب العربى وليس فقط التونسية، التى نجد أغلب عرب المشرق، وليس فقط المصريين، يجدون صعوبة فى تلقيها، أعلم قطعا من خلال أصدقاء، مثل المخرج التونسى الكبير نورى بوزيد، وهو بالمناسبة نصف جذوره مصرية، جدته من الإسكندرية وجده من صفاقس، كان نورى يقول لى كما نفهمكم يجب أن تفهمونا، ألسنا ننطق أيضا العربية بلهجتنا؟ وهو قطعا له كل الحق فى غضبه، ولكن تظل اللهجة مشكلة تراكمية، بمعنى أن عرض الأفلام باللهجة التونسية أو الجزائرية لن يحلها، ولكن يجب أن تزداد مساحة التبادل الثقافى والفنى، وعندما تتعدد الوسائط، مثل المسلسل والأغنية والفيلم، الناطقة باللهجة المحلية المغاربية سوف يألفها المتفرج العربى الذى ينتمى للمشرق، ولهذا فإن عددا من المهرجانات العربية تُقدم فعلا تلك الأفلام مصحوبة بشريط إلكترونى بلغة عربية يطلقون عليها الثالثة أو البيضاء، وهى محايدة تماما تسمح بفهمها للجميع، فى كل الأحوال أرى أن تواجد شريط إلكترونى باللغة الإنجيزية يصاحب تلك الأفلام من الممكن أن يُصبح حلا يرضى جميع الأطراف ولا يثير أدنى حساسية، الترجمة الإنجليزية لكل الأفلام أراها تستحق الاهتمام من إدارة المهرجان، جزء لا يستهان به من الضيوف لغتهم الثانية إنجليزية، ربما لا يشكلون الأغلبية، ولكنهم جزء لا يستهان به، خاصة أن عددا من الأفلام الأفريقية تعرض أحيانا بلا ترجمة عربية، رغم أنها ناطقة بالفرنسية، لو زادت مساحة اللغة الإنجليزية فى مهرجان (قرطاج) لا أتصورها ستفقد المهرجان هويته، بل ستضيف إليه دائرة أوسع.

إنه المهرجان الأعرق على الساحتين الأفريقية والعربية، والذى أحمل له ولأهل تونس فيضا من مشاعر الحب وعلى مدى ربع قرن، ولن أفعل مثل عبدالوهاب وفيروز وأقول (خايف أقول اللى فى قلبى)، ولكن ينبغى من أجل كل هذا الحب أن أقول (كل اللى فى قلبى)!!.