دعاء حلمي
عُرض الفيلم السويسري “النظام المقدس” في اليوم الأول من انطلاق فعاليات “بانوراما الفيلم الأوروبي” في دورته العاشرة بسينما زاوية، إنتاج عام 2017 وحاصل على عديد من الجوائز منها جائزة أفضل سيناريو وأفضل ممثلة في مسابقة الفيلم السويسري.
ورغم أن الفيلم تدور أحداثه في احدى قرى الريف السويسري عام 1971 حول حق المرأة في التصويت ضمن أحداث واقعية مرت بها المرأة السويسرية للحصول على حقوقها السياسية، إلا أنه يقدم واقعاً أقرب ما يكون الى الواقع الذي تحياه المرأة العربية اليوم للحصول على حقوقها السياسية والإجتماعية على حد السواء.
“نورا” سيدة متزوجة لديها طفلين تعيش في قرية سويسرية صغيرة ترعى بيتها وحماها المُسن الذي يعيش معهم وزوجها يعمل في قرية أٌخرى بعيدة تقضي أعمالها الروتينية بشكل ديناميكي بلا روح أو إهتمامات خاصة، فمجتمعها المنغلق يحرم على المرأة العمل أو الخروج خارج الإطار الأسري، وتظل هكذا حتى تتعرض ابنة شقيقتها الشابة للسجن بعد موافقة أختها وزوجها كنوع من العقاب لإبنتهم، وهو ما يسبب صدمة لـ”نورا” يجعلها تنخرط في نشاط نسوي سياسي للمطالبة بحق المرأة في التصويت في الإنتخابات، كأثر من آثار الانتفاضة الاجتماعية الضخمة الناتجة عن حركة “مايو 1968″، وهو ما اعتمد على أحداث الموجة النسوية الثانية التي انطلقت في سويسرا وعدد من الدول الأوروبية حيث بدأ الكفاح من أجل منح النساء حق التصويت هناك في عام 1893 لتحصل المرأة على حقوقها السياسية بالسماح لها بالتصويت والترشح يوم 7 فبراير 1971 وهو ما يعد عيداً قومياً يوجب الإحتفال به في كل عام.
تنخرط “نورا” في نضالها السياسي بمحاولة إقناع نساء قريتها الصغيرة للتصويت مع حق المرأة في ممارسة حياتها السياسية إلا أنها تتعرض لردة فعل مجتمعية عنيفة بدعوى أنها إمرأة خارجة عن “النظام الإلهي” الذي يضع المرأة في مرتبة دنيا تجعل خروجها خارج أسوار بيتها عار يجب التصدي له وبالفعل تتعرض للتنكيل من زوجها الذي يهددها بالطلاق حال مضيها في طريق النشوز الإجتماعي الذي تسلكه.
لتتغير حياتها وتقرر كسر تابوهات الحياة الإجتماعية في قريتها فتقود تمرد نسائي من خلال ترك السيدات منازلهن والإعتصام في مكان واحد للإقامة فيه تاركين بيوتهن في صورة أقرب الى الثورة النسوية قابلها رد فعل عنيف من أزواجهن الذين يصمموا على إعادتهن الى بيوتهن، ولكن تنتصر في النهاية إرادة النساء، وبالفعل يقر قانون حق المرأة في ممارسة حياتها السياسية ليكون هو البوابة لخروج المرأة للعمل.
ليأخذ الفيلم من الحدث السياسي السابق ركيزة أساسية لمعالجة قضايا معاصرة تمس منظومة الحياة الإجتماعية في مجتمعاتنا اليوم حول رغبة المرأة في شيء أخر يتعدى الرجل والبيت والأطفال إنها رغبتها في تحقيق ذاتها وأن يكون لها إهتماماتها المستقلة دون وصاية مجتمعية لتقييم وتأطير تجربتها طبقاً للعادات المجتمعية السلطوية.
والفيلم عمد الى تقديم لغة سينمائية متميزة من خلال استخدام عناصره بشكل يخدم قضيته بأسلوب سينمائي بسيط أقرب الى المدرسة الواقعية، فتم تصوير غالبية أحداث الفيلم داخل بيت البطلة وشقيقتها فلعبت هندسة المناظر دورها في إظهار الأماكن قاتمة بلا روح بعكس المكان الذي جمع النسوة في نهاية الفيلم الذي يضج بالحياة والألوان الصريحة، وهو ما ظهر جليًا في ملابس البطلة ففي بداية الأحداث ترتدي ملابس قاتمة فضفاضة وتغطي شعرها بـ”إيشارب” أقرب إلى الصورة التقليدية للمرأة العربية اليوم، ولكنها تتغير تماما تلك الصورة القاتمة في النصف الثاني من الفيلم عندما ترتدي “البنطلون الجينز” لأول مرة في حياتها وتقص شعرها لتظهر مفعمة بالحياة والأنوثة.
وهو ما انسحب بالتالي على الموسيقى وشريط الصوت عمومًا في أحداث الفيلم ليظهر الفرق أيضًا بين حياة البطلة الأولى الروتينية وحياتها بعد أن دبت الحياة فيها لتختلف نوعية الموسيقى من الرتابة الى الإيقاع السريع.
فالفيلم يقدم نموذج لنضال المرأة المستمر للخروج من نظام اجتماعي مقدس يرى البيت عالمها الوحيد، والرجل وحده يكفيها دون سواه.