حتى تعتلي مسرح العمل السياسي، بطلا أو سنيدا أو حتى كومبارس، لابد وأن يكون الذكاء، أو الدهاء بمعنى أدق، أحد أهم صفاتك، فإن لم تكن تملكه أو تتمتع فقط بما تيسر منه، فثق أن أثر ظهورك، لا يتجاوز أثر ما يتركه بهلوانات الفرق الجوالة في الموالد من بهجة ورثاء في نفس الوقت، ولا أرى عصام حجي منذ أن غادر خلوة عالم ناسا إلا مبهجاً ومثيراً للشفقة في كل مرة يتماس فيها مع السياسة وأهلها، وإن كان ارتباك البلياتشو في السيرك غالباً ما يكون مصطنعاً لإضحاك الجمهور، فإن ارتباك حجي السياسي دائماً ما يأتي طبيعياً بما يثير الشفقة أكثر من البهجة.
والظهور الأخير لعصام حجي مع الإعلامية ليليان داوود الأربعاء الماضي على شبكة تليفزيون العربي بلندن في برنامج (بتوقيت مصر)، لم يكن إلا مشهداً جديداً من مشاهد ارتباك العالم الشاب، وهذه المرة سياسياً وإنسانياً معاً.
فبمرور عابر على بعض ما أتحفنا به حجي في الحلقة المذكورة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل بات يهذي فقط لا غير، دعونا نقرأ تصريحات عالم الفضاء المصري الشاب، وأحد مطاريد العمل السياسي في السنوات الأخيرة، لنكتشف معاً فضاءه السياسي.
على طريقة كرسي في الكلوب، كان لابد وأن يتصدر منتدى شباب العالم حوار ليليان وحجي، والذي أشار بقوة إلى أن المنتدى يؤكد أن مصر دولة الصورة وليست دولة الحقيقة!!.. ويعلم حجي كما نعلم جميعاً أن المنتديات على اختلاف أشكالها وأجنداتها وطولها وعرضها وحضورها تملأ ساحات العديد من دول العالم، ومن بينها راعيته الولايات المتحدة الأمريكية، فهل كل هذه الدول دول صورة وليست دول حقيقة؟!.. وأضاف أن شعارات المنتدى بعيدة عن الواقع!!.. ويبدو أن حجي العالم غاب عنه تركيز العلماء، فلم يدرك أن توجه المنتدى، لم يكن إلا التفاعل بين عدد من شباب العالم، رفضاً لآلام الواقع وتطلعاً نحو آمال المستقبل.
أما شعار المنتدى الرئيسي (we need to talk) أو (نحتاج لأن نتكلم)، فلم ير فيه حجي نية حقيقية للحوار وإلا لأقيم في القاهرة وليس في شرم الشيخ!!.. لا يا شيخ؟!.. وهل كل منتدى عالمي لا يقام في واشنطن أو لندن أو باريس أو غيرها من عواصم العالم ليس إلا ضحكاً على الذقون؟!.. ولأن العلم والتعليم لابد وأن يشغلا مساحة من الحوار مع أحد علماء ناسا، فقد ذكر حجي أنه تحدث مع النظام المصري مراراً حول وضع التعليم في مصر دون استجابة، ومؤكداً أنه يعيش في الخارج منذ 25 عاماً، ولم يجد دولة تعادي العلم والتعليم كما يحدث في مصر!!.
الغريب هنا أن عصام حجي في سنواته القليلة جداً التي عاشها في مصر، حصل على بكالوريوس العلوم تخصص الفلك من كلية العلوم جامعة القاهرة في النصف الثاني من التسعينيات، وبدأ حياته المهنية بعدها مباشرة معيداً بنفس الجامعة، وقبل أن ينتقل إلى باريس لاستكمال دراساته العليا، والمنطق يرد على حجي بأنه لولا ما حصله من علم في القاهرة، ما كان استطاع استكماله في باريس، وتعيينه معيداً في جامعة القاهرة بعد تخرجه بتفوق مباشرة يؤكد أن أحداً لم يعاديه، نظام التعليم عندنا معيب دون شك، ويحتاج إلى تطوير يواكب تحديات العصر دون أدنى شك، ولكن مصر لا تعادي العلم والتعليم يا حجي.
وحتى لا تفوت حجي فرصة خلط الحابل بالنابل، انتقد ببلاغته المرتبكة المميزة أوضاعنا الاقتصادية بعد تعويم الجنيه موضحاً أن السوق المصري بعد تحرير سعر الصرف تحول إلى ملاذ للمنتجات المزورة، ومؤكداً ان الإصلاح الاقتصادي يبدأ من (الابتكار) على عكس ما هو موجود في مصر من الاعتماد على الاستهلاك!!.. وقد وضعت من جانبي كلمته الابتكار بين قوسين تعبيراً عن اندهاشي من استخدامها وهي مفردة تتعلق بالبحث العلمي ولعله كان يقصد (الإنتاج) وهي المفردة الاقتصادية السليمة هنا، ولم أفهم بالقطع ما يعنيه بالمنتجات المزورة، إلا إذا كان يقصد بها تلك التي تنتج في دول بتكلفة أقل من بلدانها الأصلية على سبيل المثال.
والحمد لله أن طمأننا حجي إلى نيته بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى وإن أكد توافق فريقه الرئاسي المجهول، على ثلاثة مرشحين محتملين من التيار المدني، يعلنون نيتهم الترشح خلال الأسبوعين المقبلين!!.. واستمراراً للارتباك واللخفنة تركنا الرجل نفكر ونفكر ونفكر، كيف يدعم فريقه الرئاسي ثلاثة مرشحين مرة واحدة؟!.. نحن وإن كنا نتمنى جدية التحول الديمقراطي بوجود أكثر من مرشح مدني في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإننا نتمناهم في نفس الوقت مؤهلين وجادين وقادرين على خوض التجربة من مصر ولمصر، وطناً ومواطنين، أما النضال عبر الحدود، فليس إلا من المضحكات المبكيات على أحوالكم التي يرثى لها.