بالنسبة للنجم ويل سميث، فإن المشاركة في عضوية لجنة التحكيم “مهمة ليست سهلة، إنها مثيرة ومعقدة عندما يتعلق الأمر بمشاهدة أكثر من ثلاثة أفلام في اليوم”، كما أجاب “الخبر” عندما سألته عن مشاركته في مهرجان كان 2017.
هكذا تبدو ملامح المهمة في أحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم، فكيف تبدو المهمة عندما يتعلق الأمر بالمهرجانات العربية؟، عندما تتكرر أخطاء لجان التحكيم ويغلب المزاج على الاختيارات الفنية، أو عندما يعتقد البعض أن مشاركته في لجنة التحكيم هي “فسحة من خمس نجوم، تستلزم أن يلبي الجميع طلباته مهما كان نوعها؟”.
من أيام قرطاج ومهرجان القاهرة مرورًا بوهران وبيروت، لا تختلف الصورة في علاقة إدارة المهرجانات بأعضاء لجان التحكيم. يجد المنظمون أنفسهم أحيانا ملزمون بتغيير رئيس لجنة التحكيم في اللحظة الأخيرة وبعد طباعة الكاتلوج، لأن أحد الأعضاء اكتشف ارتباطه بموعد آخر في اللحظة الأخيرة؛ وغالبا ما يكون السبب مزاجيا، وأحيانا يكون الأمر له علاقة باكتشاف تورط ذلك العضو في فضيحة تحرج المهرجان.
نرشح لك: محمد علال يكتب: تونس.. السينما تُغير وجه المدينة
“أيام قرطاج” هذه السنة لم تخرج من تلك المعادلة، حيث تراجعت عن اختيار المنتج والمخرج الفرنسي جاك دورفان، الذي تم استبعاده في اللحظات الأخيرة بعد أن ورد اسمه في فضيحة المنتج هارفي.
غير أن أبشع العراقيل التي يضعها بعض لجان التحكيم، عندما يتعلق الأمر بالالتزام بمواعيد العروض، والنهوض باكرا من أجل مشاهدة الأفلام، ومازلنا في “أيام قرطاج” التي عرفت موقفا مشابها، فبعد سهرة طويلة رفضت عضو لجنة تحكيم، المخرجة المصرية جيهان الطاهري، الذهاب لمشاهدة الأفلام رفقة لجان التحكيم، بحجة أنها شاهدت الأفلام، وطلبت توفير شاشة خاصة لها من أجل مشاهدة باقي الأفلام. هذا الطلب كثيرا ما يتكرر من طرف أعضاء لجان التحكيم في العالم العربي، رغم أن الأعراف المعمول بها في المهرجانات العالمية الكبرى، تقتضى أن يشاهد المحكمون الأفلام في شاشة السينما، وليس في شاشة تليفزيون، فهذا الشرط أساسي لضمان مبدأ تكافؤ الفرص.
عدد الشخصيات السينمائية العربية التي يتم الرهان عليها في المهرجانات العربية، يقبلون العرض، ولكنهم سرعان ما يقدمون على خرجات غير بريئة. حدث ذلك مؤخرا في دورة مهرجان وهران مع المخرج ميشيل خليفي رئيس لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية، فقد طلب المخرج الفلسطيني تغيير البرمجة بعد يوم واحد من بداية العروض الرسمية، من أجل السامح له بالسفر قبل يومين من انتهاء المهمة، لا لشيء له علاقة بالتنظيم، بل لأنه يريد رؤية “حماته” المريضة؛ مستخدما واحدا من أبرز الحجج التي يعتمدها الكثيرون، فالمرض المفاجئ هي حجة دامغة، ولكن السؤال المطروح، هل كان ميشيل خليفي ليتصرف كذلك لو تعلق الأمر بمهرجان أوروبي أو أمريكي؟.
طلبات أعضاء لجان التحكيم قد تتجاوز حدود المعقول، فرئيس لجنة تحكيم إحدى المهرجانات العربية طلب ساعة “مساج خاص”، بعد مشاهدة فلمين، قائلا: “لا مجال لإدارة المهرجانات سوى الانصياع لأوامري مهما كانت”؛ ما يجعل التعامل معها يختلف عن التعامل مع سلوك المتحرش في الشارع أو المجرم الذي يحاول اغتصاب جهود الآخرين.
حوادث لجان التحكيم طفت مؤخرا على ضفاف نهر النيل، بعد أن تم اختيار المخرج النيجيرى بي بانديل، رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة “سينما الغد الدولية” بمهرجان القاهرة السينمائي هذه السنة، ما أثار زوبعة من الانتقادات لأن هذا المخرج سبق وأن خالف وعوده ولم يرد على اتصالات مهرجان القاهرة عندما اختاره عام 2014 عضو لجنة تحكيم، وبعد أن حُجزت التذكرة والفندق وورد اسمه في الندوة والكتالوج.
مسألة التخلف، الانسحاب، والهروب في الدقيقة الأخيرة، هي حال النجوم الكبار أيضا، فلا يحترمون المواعيد بحجة أنهم الأكبر؛ فقد حدث هذه السنة أيضا وأن تخلف الممثل خالد الصاوي عن لجنة تحكيم مهرجان الإسكندرية دون سبب، كما سبق لهذا المهرجان وأن عانى مع الكاتب الأفغاني عتيق ريحمي الذي انسحب من لجنة التحكيم بسبب كرسي. كما نتذكر الحادثة الشهيرة السنة الماضية مع أروى جودة وصبا مبارك في لجنة تحكيم المسابقة الدولية بـمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وما وصف بـ”تضارب المصالح”. ورغم غياب مهرجان دمشق بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد، إلا أن المشهد السينمائي السوري لا يزال يحفظ لحظة انسحاب المخرجة ساندرا نشأت من عضوية لجنة تحكيم مهرجان دمشق السينمائي، احتجاجا على ممارسات رئيس لجنة التحكيم المخرج الروسى فلاديمير مينشوف.
هكذا هي خرجات بعض أعضاء لجان التحكيم في العالم العربي، عادة ما تنعكس على القرارات النهائية، فتحيد اللجنة عن دورها وتحيد الجائزة عن أهدافها وتستقر عند الأمزجة، فمتى يحين الوقت بأن تتفق المهرجانات على ضبط قوانين وبرتوكول يحد من تجاوزات أمزجة لجان التحكيم، ويضمن السير الفني للجنة بلا حسابات ضيقة، ولا تهديدات بالانسحاب، أغلبها لأسباب تتعلق بالبحث عن الرفاهية؟.