قد يكون ربيع العمر بالنسبة لمن هم على أعتاب العشرينات أو تجاوزوها بقليل -وأنا منهم- براحًا يتسع للتسويف أو بعض التراخي، هكذا يبدو، لكن حقيقة الأمر غير ذلك.
أرانا على مرمى البصر عجائز في فرش دافئة وربما أحاط بنا بعض الأحفاد، نروي لهم قصصا من الكفاح والعمل الإخفاقات والنجاحات، أو ربما بين يدي الخالق نُسأل عن عمر فيما أُفني وشباب فيما أبلي.
وسط أحلك الظروف وأشدها ضراوة لاتزال الفرصة سانحة للتأثير في هذا العالم على اتساعه، وليس عيبا أن تنحصر أحلام بعضنا -وسط تحديات جسام- في كسب لقمة العيش أو توفير حياة كريمة، هذا حلم مشروع.. لكن حلما آخر لا يقل مشروعية هو ترك بصمة لخدمة الإنسانية وليس الوطن فحسب.
شباب اختلفت ألوانهم وألسنتهم وفكرهم وظروف ونشأتهم، اجتمعوا في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ ليجسدوا مشهدًا عالميًا للوحدة والسلام، وعلى مدار مختلف الجلسات حاول هؤلاء الوصول إلى قاعدة توافقية حول أبرز التحديات التي تواجه دول العالم من بحث علمي وابتكارات مرورا بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وصولا إلى البحث عن معاني الإنسانية وحماية المستضعفين في شتى بقاع الأرض.
النماذج المضيئة بالمنتدى حاول كل منهم طواعية أن يخدم فئة بعينها في العالم كل في مجال تخصصه، أحدهم ابتكر طرفا صناعيا يعين من فقدوا أطرافهم على مواصلة الحياة بشكل آدمي، وهناك آخر طور مساكنًا للاجئين والمشردين.
الطاقة الإيجابية المنبثقة عن تلك النماذج ربما تقرع الباب داخل كل منا بحثا عن درب من دروب التميز.
وبعيدا عن الواقع.. أتصور لو أتيحت الفرصة لكل شاب أصابه اليأس من حولنا أن يتواجد في محفل كهذا وسط جمع متفرد من الشباب، أظنه حتما سيلقي همومه جانبا، سيفتش في داخله عن أيقونة تجعله لا يقل تميزا عن المحيطين حتى وإن كان بدافع الغيرة.. وليت روح منتدى شباب العالم تحيا بداخلنا!
تأكد أن التصدي لقسوة الظروف في تلك المرحلة العمرية تخلق في داخلك جبلا لا تقوى أعتى رياح العمر على دحره.
أنت قوة فاعلة، أنت “تفصيلة” وسط ثنايا هذا العالم قد تغير مجرى الأحداث.. فالله لم يخلقك هباء!
أتصور لو توحدت الجهود فتعملقت ووقف شباب العالم كل بما أوتي من علم وفكر وقوة أو حتى مال، لو وقف هؤلاء حائط صد في وجه الفكر السرطاني سريع الانتشار لتنظيم داعش الإرهابي .. كم قطرة دم ستُصان! وكم حضارة ستقام!
ماذا لو اتحدنا معا لنصرة الأقليات المضطهدة في العالم كمسلمي الروهينجا على سبيل المثال!
ماذا لو قدما دعما -أيا كان نوعه- للمشردين في أدغال القارة السمراء؟! ماذا لو وقفنا – متحدين- إلى جانب من فتكت بهم الأمراض والمجاعات باليمن؟! أو من عصفت بهم الحرب في الأراضي السورية؟!
شباب العالم.. ليس من الصعب أن نؤثر في دوائر صناعة القرار في دولنا أو بالمنظمات العالمية حتى وإن رآها البعض مسيسة، فصون حقوق الإنسان ونصرته –إن كان هدفًا موحدًا- هو ورقة ضغط يمكن أن تغير مجريات الأمور بخريطة العالم.
لا أرى منتدى شباب العالم بضع أيام من الطاقة الإيجابية.. بل أتطلع وربما نتطلع جميعًا لرؤية ثماره واقعًا ملموسًا وتوصياته أمرًا واقعًا.. وحتمًا لن يتم ذلك من دون عمل ومثابرة لا ينقطعان.
سنعيش معًا ربيع العمر مرة واحدة، حتى وإن كانت لحظة، لا تدعها تمضي دون أن يعانق صوتك عنان السماء.
وأخيرًا… لاتقف على ناصية الحلم فحسب.. بل اخترق دفاعاته.. وقاتل!