(الساحر) ومن يتعلم الدرس!!

نقلًا عن المصري اليوم

 
هل تعلم أن محمود عبد العزيز، الذى مرت قبل ساعات ذكراه الأولى، ظل بيننا 7 سنوات وهو مبتعد ومع سبق الإصرار والترصد عن معشوقته السينما؟، إنها جناية ارتكبت فى حق تلك الموهبة المترامية الأطراف، لو كان محمود يعيش فى مناخ آخر لكانت الألفية الثالثة التى بدأها وهو لم يصل بعد للخامسة والخمسين من عمره هى ذروة عطائه، بينما تكتشف وبالأرقام أنها كانت بداية الانزواء الفنى- فلم يُقدم لنا طوال 16 عاما منها سوى 6 أفلام، بينما فى مرحلة التسعينيات كان الرقم 16 فيلما، واقترب من 50 فى الثمانينيات.
 
إنه حالة خاصة جدا فى تاريخنا الفنى، محمود دائم التمرد على محمود، متسامح مع الزملاء ومرن مع الزمن، لم يستثمر أبدا موهبته خارج الإبداع الفنى، محمود كان مدركا أنه لن يبقى غير الأفلام والمسلسلات، كان (الساحر)، كما أطلقنا عليه، حريصا طوال مشواره على أن تظل حياته الشخصية داخل سياج لا يستطيع أحد اقتحامه، أعلم جيدا بحكم صداقتى له- أكثر من ربع قرن- ملايين الدولارات التى كانت ترصد له من أجل أن يوافق على البوح أمام الكاميرا، قانون الندرة يفرض نفسه على الجميع، كلما صار تواجد النجم شحيحا إعلاميا ارتفع مؤشر ثمنه طبقا لنظرية العرض والطلب، محمود كانت لديه القدرة أن يقول لا لعمل فنى لا يجد فيه طموحه، وأن يقول فى نفس الوقت لا لمن يريد أن يدفع مقابل أن يدلى بأسراره الشخصية.
 
كان محمود ينتقل فى السنوات العشر الأخيرة من تكريم إلى آخر، وهذا ما يتيح له لو أراد أن يلتقط أنفاسه ويروى الكثير.
 
أتذكر مهرجان (دبى) فى مثل هذه الأيام قبل خمس سنوات، حصل على جائزة (إنجاز العمر)، كنت كالعادة زوجته الإعلامية والصديقة بوسى شلبى هناك، وأرادت أن تحصل على سبق من زوجها، فاشترط أن أشاركهما الحوار، طلبت منه أن يتفاعل مع أفلام الجيل الجديد من المخرجين، لأنهم يقدمون سينما مختلفة، وبالفعل كان لديه مشروع (أوضتين وصالة) المأخوذ عن أقصوصة للكاتب إبراهيم أصلان، وإخراج شريف البندارى، ولا أدرى ما الذى حدث بعد ذلك، فلم يتم إنجازه، حيث إنه كان سيشهد عودة محمود للسينما، حيث كانت آخر إطلالة له فى فيلم (إبراهيم الأبيض) لمروان حامد، وبرغم أنه قد تم حذف مشاهد عديدة بعد تصويرها، مما أغضبه وقتها، إلا أنه بهذا الدور (عبد الملك زرزور) أضفى ألقا خاصا للفيلم، وحصد بعدها عدة جوائز، ولكن ظلت السينما المصرية عاجزة أن تنهل الكثير من تلك الموهبة الاستثنائية فى تاريخ فن الأداء.
 
حتى لو كان له حضوره مرة كل عامين فى مسلسل رمضانى، وآخرها (رأس الغول)، ولكن هذا بالقطع لا ينفى فداحة خسارتنا السينمائية.
 
أتذكر أن المركز الكاثوليكى المصرى أراد أن يمنحه جائزة تقديرية قبل ست سنوات، واشترط محمود أن أدير اللقاء الذى امتد نحو ساعتين، بالطبع حياة محمود لا يمكن أن يحتويها لقاء واحد.
 
ويبقى أن محمود ضرب للجميع نموذجا نادرا، وهو أن الفنان وحياته الشخصية ليسا سلعة معروضة للبيع لمن يدفع أكثر، فهل يتعلم نجومنا الدرس الشخصى كما ينبغى أن يتعلموا الدرس الفنى من (الساحر)؟!!.