“دع أعمالك تتحدث عنك” تلك المقولة الشهيرة التي قلما طبقها أحدهم، خاصةً إذا واتته الفرصة ليكون تحت الأضواء، لكن طبقتها فنانة لها مكانة خاصة في قلوب المشاهدين، هي الفنانة الكبيرة إنعام إبراهيم حسن أحمد سالوسة، الشهيرة بـ “إنعام سالوسة”.
فهي فنانة تركت “مشاهدها” تتحدث عن موهبتها الخاصة والمميزة، رغم ندرة لقاءاتها التليفزيونية وحوارتها الصحفية، إلا أنها دائمة التواجد في أذهان الجمهور كبيرًا وصغيرًا، فهي واحدة من أكثر الفنانات إثارة للضحك والكوميديا، رغم أدوارها القصيرة والمتعددة على الشاشة إلا أنها لم تظهر مرة على غلاف مجلة أو تتصدر أخبارها الصفحات الأولى، ومع ذلك استطاعت أن تلفت الأنظار إليها دائما بآدائها الأقرب للكوميديا “الجادة”.
تقترب الفنانة إنعام سالوسة من إتمام عقدها الثامن حيث أنها من مواليد مدينة دمياط عام 1939، أي أنها تبلغ من العمر 78 عامًا، أثرت في السينما والمسرح والتليفزيون خلال 6 عقود من عمرها بأروع الأعمال الفنية سواء في الأدوار الكوميدية أو التراجيدية، بل ونجحت في ترك بصمتها الخاصة لدى كل جيل وصولًا إلى جيل الألفية الجديدة.
فمن ينسى دورها في فيلم “الإرهاب والكباب” موظفة الحكومة التي صنعت من كلمة “عند أستاذ رشاد” إيفيه كأنها رسالة مسجلة جعلت الاسم يظل محفورا في أذهان من شاهد الفيلم، وعلى مستوى الدراما قدمت أعمالًا متميزة فكان دور “وصيفة” زوجة سليمان غانم في ليالي الحلمية من أبرز أعمالها وكذلك دور الزوجة المستبدة الكوميدية في “يارجال العالم اتحدوا”، وهي صاحبة الجملة الأشهر “يامُرك يا نعمة” في مسلسل “ذئاب الجبل”، وعلى امتداد الأجيال هي الأم المصرية الجدعة في فيلم “همام في أمستردام” وأم سعيد في فيلم “عسل أسود” ولها الكثير والكثير من البصمات التي تركتها في كل عمل قدمته.
دربت السندريلا على الإلقاء
ظهرت البداية الفنية لإنعام سالوسة في المدرسة الثانوية حيث كانت تعزف على الأوكورديون ثم اشتركت في فريق التمثيل في الجامعة، وشاركت في العديد من الأعمال المسرحية للمسرح الجامعي لكلية الآداب جامعة عين شمس، وبعد حصولها على ليسانس الآداب عام 1961، التحقت بمعهد الفنون المسرحية لتثقل موهبتها حتى تخرجت منه عام 1964 ثم تزوجت من زميلها الجامعي المخرج المسرحي “سمير العصفوري” الذي أخرج العديد من المسرحيات أشهرها “العيال كبرت”.
رغم أن الحياة الزوجية للفنانة إنعام سالوسة خارج دائرة الضوء، إلا أن “سالوسة” قد صرحت مسبقًا بطريقة التعارف بينهما، حيث قالت إنها كانت تدرس في قسم اللغات الشرقية في كلية الآداب وكان سمير يدرس في قسم التاريخ، لكن بعد مرور شهر على الدراسة قررت تغيير القسم لتلتحق بقسم اللغة العربية فوجدته يغير قسمه ليلتحق بقسم اللغة العربية أيضًا، ومن هنا كانت بداية التعارف بينهما.
قدمت “سالوسة” عقب تخرجها عدة أدوار، حيث كان أول أعمالها الفنية مسلسل “لا تطفئ الشمس” ثم توالت بعده العديد من الأدوار مثل “بنات الثانوي” و”حكاية الأيام” و”هو وهي”، وكانت تمتاز بالجدية في تقديم التراجيديا وكذلك الكوميديا، فتمكنت من إضحاك الجمهور وتحريك مشاعرهم في آن واحد، وبسبب تمكنها وحبها للفن كانت سببا في مساعدة النجمة سعاد حسني على الظهور حيث تم اختيارها لتدريب السندريلا على الإلقاء السليم، لكنها تأخرت عن أبناء جيلها وبررت ذلك بأن سفرها إلى فرنسا مع زوجها وابنتها “تغريد” لمدة عامين حتى 1970 كان السبب في تأخرها ما جعلها تبدأ من الصفر بعد عودتها.
لكن القبول الذي تحظى به من قِبل العديد من الأجيال، والحب الذي لا يمنحه الجمهور سوى لمن يختاره فقط، كان له الفضل الأكبر لتواجد “سالوسة” في العديد من الأعمال بعد ذلك، حيث اعتبرت أن تواجدها مؤخرًا هو نوع من التعويض عن فترة من حياتها لم تقدم فيها أعمالها وعانت بسبب ذلك حيث صرحت من قبل بأنها كانت “تُقتل” يوميًا من الحزن لأنها غير مطلوبة في الأعمال فكانت تنشغل بتربية أبنائها حتى لا تصاب بالاكتئاب.
وبعدما أصبحت تتواجد في العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية اعتبرت ذلك تعويضا وقدمت عدة أدوار قصيرة عوضتها عن أدوار البطولة حيث تقول إن تلك الأدوار عرفت الجمهور بها وجعلتهم يتأثرون وينجذبون لها وهذا ما كانت تطمح إليه.
“إن شاء الله وألف ألف مبروك”
وكما نجحت إنعام في إثبات نفسها كفنانة قديرة وقدمت اللونين الكوميدي والتراجيدي نجحت أيضا في إثبات أن النجومية لا تُمنح بناءً على حجم الدور لكن تأثيره، فبصوتها المميز وتعبيرات وجهها الجادة استطاعت أن تتوغل إلى قلوب المشاهدين وتركت بصماتها في بعض الإيفيهات التي لا ينساها الجمهور.
فمن منا لا يعرف الجملة الشهيرة في فيلم “عايز حقي” مع الفنان هاني رمزي حينما قالت “إن شاء الله وألف ألف مبروك” فأصبحت تلك الجملة “إيفيه” يُقال في المناسبات السعيدة بل والساخرة أيضاً، وأيضا حينما قالت “أخويا من بعيد بيني وبينه 12 أخ”، وكذلك جملتها في فيلم “الحرب العالمية الثالثة “أنا ماما يلا”، ومن لم يضحك حينما كانت جالسة بجوار هتلر في الفيلم ذاته وهو يشرح الخطة للأشرار وسألها عما تفعله فقالت بتلقائية شديدة “باعمل سندويتشات” ودورها في فيلم “إكس لارج” حينما قالت “لو مسكتش ياض يا كرم هقولهم كنت بتعمل إيه وإنت صغير”.
كانت إنعام سالوسة بسيطة في الحياة وتلقائية في الفن، حيث استطاعت من خلال قدراتها التمثيلية تحويل مشاهدها القليلة إلى بطولة خاصة بها، فكانت لا تهتم بتقديم أدوار البطولة طوال مشوارها الفني الذي يزيد عن النصف قرن، لكنها كانت تتمنى أن تقدم دائما دورًا طويلا مؤثرا له ملامح شخصية واضحة، تلك الفنانة التي عملت بمجال الفن واختارت ألا تتشبه بأحد رغم حبها الكبير للفنانة سناء جميل التي تمنت في بداية مشوارها أن تسير على خطاها فكان القاسم المشترك بينهما هو امتلاك تلك القدرة التعبيرية عن المشاعر رغم صرامة الوجه، فكانت تميل إلى تقديم اللون الكوميدي من خلال الجدية الشديدة الموجودة على وجهها ونبرة صوتها الجادة، والتي كانت تجد من خلال ذلك مفارقات ومواقف كوميدية تحدث بطريقة تلقائية، فترى أنه ليس بالضرورة أن تستخف الفنانة ظلها في الجملة لتضحك الجمهور وكانت تدلل على ذلك بالفنان عادل إمام الذي كان يقول “الإيفيه” دون أن يضحك أو يبتسم.
أما عن حياتها الأسرية فقد أثمر زواجها من المخرج سمير العصفوري عن انجاب ابنتين هما تغريد ومنى كما أن لها من الأحفاد “منه – محمد – آية”، ولا يعلم الكثيرون أن المخرجة تغريد العصفوري التي قدمت الجزء الثالث من “تامر وشوقية” و “الباب في الباب” وقامت بتأليف فيلم “يوم ما اتقابلنا” هي ابنه الفنانة إنعام سالوسة والمخرج سمير العصفوري ليشكلون بذلك عائلة فنية متميزة.
لا يمكن حصر إنعام سالوسة داخل قالبًا واحدا فهي الفنانة التي قدمت أدوار الشر والخير والكوميديا والتراجيديا، أضحكت وأبكت ونجحت في التلون على مدار تاريخها الفني الكبير الذي بدأته عام 1964، ورغم رصيدها الوافر من الدراما المصرية حيث قدمت عدة أدوار هامة كان أبرزها في الدراما أعمال مثل ( لا تطفئ الشمس – ليالي الحلمية بأجزائه – ذئاب الجبل – اللقاء الثاني – امرأة من زمن الحب – يا رجال العالم اتحدوا – عائلة الحاج متولي – رأفت الهجان – الحقيقة والسراب – مشوار امرأة – تامر وشوقية ………) إلا أنها تعتبر أن دورها مع الفنان محمد صبحي في مسلسل “فرصة العمر” بدور فكرية البكرية كان فرصة العمر الحقيقية لها حيث حقق لها أرضية كبيرة من الشهرة لدى الجمهور.
أما عن مشوارها السينمائي فقد بدأته عام 1976 بفيلم “الكروان له شفايف”، وتوالت بعده عدة أعمال سينمائية ناجحة يمكن رصد أهمها في التالي: (طائر الليل الحزين – التلميذة والاستاذ – الست الناظرة – المواطن المصري – الإرهاب والكباب – إشارة مرور – موعد على العشاء – النوم في العسل – محامي خلع – همام في أمستردام – عسل إسود – عايز حقي – ابن عز – إكس لارج – الحرب العالمية الثالثة – بنات العم). كما عملت أيضا في الإذاعة حيث عملت على تقليد الأصوات للرسوم المتحركة مثل بوجي وطمطم وام دياسطي.
تعترف إنعام سالوسة بتفضيلها الابتعاد عن الظهور عبر وسائل الإعلام المختلفة حيث تبتعد عن الميديا بجميع أشكالها، فهي لاتحب اللقاءات التليفزيونية، ولها من اللقاءات الصحفية النادرة عدد قليل، ورغم قصر أدوارها وعدم حصولها على البطولات المطلقة وندرة ظهورها خارج أعمالها التليفزيونية أو السينمائية إلا أنها دخلت قلوب وبيوت الملايين، وتعايش معها الجمهور فهي طاقة تتفجر على الشاشات بمجرد ظهورها، وهي الأم التي تضحك وتبكي تسخر وتمزح في نفس الوقت،وهي الفنانة البسيطة التلقائية المحبة للسينما والدراما والتي أثرت الأعمال الفنية بما يقرب من 283 عملًا فنيا، ولا يزال عطاؤها الفني مستمرًا.