في كتابه “من وجع القلب” كتب الكبير الراحل محمود عوض، فصلًا طويلًا عن سعاد حسني، يشرح فيه أسباب نجوميتها الكاسحة وما حدث لها حين انطفأت تلك النجومية بعد ذلك. وفي رأي الأستاذ أن أهم عامل في حياة أي نجم هو الزمن، فقد يكون حليفًا أو عدوًا. ففي حالة سعاد حسني كان الزمن عدوًا على طول الخط، فنجوميتها -وإن كانت كاسحة- إلا أنها لم تأخذ وقتها الكافي، بل تصاعدت بسرعة مهولة حتى أفقدت الفنانة توازنها النفسي، وقررت الاعتزال في سن النضج، وذلك بعكس نجومية أم كلثوم التي جاءت هادئة بغير صخب. نجومية بدأت من قرية إلى قرية، ومن الأفراح لميكرفون الإذاعة، ثم إلى شاشة السينما ومابعدها، هذه النجومية الهادئة هي التي تجعل الفنان يحافظ على توازنه النفسي لأطول فترة ممكنة وتجعله أيضا أكثر اطمئنانا إلى الزمن وأكثر ثقة في التعامل معه، وهو ما جعل أم كلثوم تستمر في العطاء الفني حتى ما بعد سن السبعين.
في نفس الوقت -وبعيدا عن عنصر الزمن- لا يصح إغفال أن سعاد حسني تفوقت على نفسها، وعوضت كل ما كان ينقصها من عوامل قد تؤثر على مسيرة أي فنان، فتعلمت القراءة والكتابة وثقفت نفسها سواء بالاطلاع الدائم، أو عن طريق مصاحبة كبار عصرها من فنانين وشعراء وملحنين ومخرجين أصحاب رؤية في الفن والحياة، ومن هذا كله استطاعت تقديم أعمالا فنية خلدت بها إسمها، مثل “القاهرة 30″ و”الزوجة الثانية” وغيرها.
وإذا طبقنا نفس القياس على فناني عصرنا، فإن قسوة عامل الزمن وطبيعته تصبح أكبر وأخطر، ففي زمن سعاد حسني كان التواصل مع الناس والجمهور يتم بطرق محدودة ومحددة، كالصحافة والإذاعة وفيما بعد التليفزيون، لكن الآن نعيش ثورة لا تنتهي مع التكنولوچيا، وهو ما يتطلب من أي فنان التعامل معها بحذرٍ شديدٍ، ليس فقط للحفاظ على صورته أمام جمهوره، وإنما أيضًا من أجل الاستمرار.
إن وسائل نقل المعلومات في عصرنا تعددت وتنوعت بحيث أصبحت “خصم” حقيقي لأي نجم لا يوليها اهتمامًا. والاهتمام هنا يجب أن يكون في التفكير وإعادة التفكير مرات ومرات قبل -حتى- أن يلقي دعابة أو نكتة، سواءً في حفل عام أو مجلس خاص، لأن كل ما يتفوه به محسوب عليه بالسلب أو الإيجاب، ومن هنا -مثلا- قد لا نستغرب أن أم كلثوم كانت تراجع أي حوار صحفي يجرى معها قبل طباعته، وكذلك كانت سعاد حسني حريصة على الإلمام بتفاصيل التفاصيل عن أي موضوع يطلب منها الحديث فيه.
في هذا السياق يمكن النظر إلى الأزمات المتكررة التي تعيشها المطربة شيرين، كأزمتها مع عمرو دياب وما قالته عن سنه، أو عندما خلعت حذاءها في برنامج “The voice”، أو أزمة تونس التي أرادت أن “تجود” في وصفها ووصفتها بأنها “خضرة مثل البقدونس”!!، وأخيرا ماقالته عن نهر النيل والبلهارسيا عندما طلبت إحدى معجباتها سماع أغنيتها “ماشربتش من نيلها”، وكلها أزمات لا تتعلق فقط بعفويتها المفرطة، أو حتى طريقتها في إطلاق القفشات، بقدر ما هو استسهال وعدم تفهم لطبيعة العصر ووسائله، والفارق بين ما يقال وما ينبغي ألا يقال، حتى وإن كان على سبيل “الهزار” والدعابة..
https://youtu.be/tKwXBZ0NsvY