مها ناجي تكتب: اللعب دي للبنات بس

ذهبت مع ابني منذ فترة لشراء هدية خاصة له من محل اللعب، وكعادته يحب “علي” أن يجري بحثا مطولا للوصول إلي اللعبة المختارة التي تضيف إلي مجموعته في المنزل وتكون في حدود الميزاينة المسموح بها.. وبعد الكثير من البحث لم يقع اختيار “علي” علي أي من اللعب المعروضة فاقترحت عليه ان نبحث عن ألعاب فنية كالرسم والنحت أو الطهي أو الادوات المنزلية حيث انني أعلم أنه يحب هذا النوع من اللعب التي تتطلب المهارة اليدوية.

ولكننا بحثنا كثيرا ولم نجد أي منها حتى سألت الموظف الموجود فأجابنا بمنتهي الثقة ” اه موجود في ألعاب البنات” أفندم؟؟؟ أجبته بدهشة ولكنه استمر في محاولته للمساعدة مشيرا إلى الممرات الخصة بألعاب البنات والمليئة باللون الوردي قائلا “اتفضلوا من هنا…هى عندها كام سنة؟” فأجبته وأنا أكتم غضبي “شكرا احنا هنتصرف”. تردد ابني الحبيب في اختيار لعبة وسألني بحزن عن سبب وضع هذه الألعاب في قسم البنات ولم أجد أي رد مناسب سوى أنهم “ناس مبتفهمش” وذلك في أقصى محاولات ضبط النفس حتى لا أتلفظ بأوصاف غير لائقة أمام الأطفال.

ما العيب في أن يحب ولد ألعاب “البنات”؟؟؟ ولماذا هي ألعاب محصورة على البنات؟ إلي متى ستظل تلك التفرقة على أساس اعتقادات أو تقاليد أو صور نمطية مستمرة في مجتمعنا؟ فالأعمال المنزلية والطهي هي للبنات في حين أن السيارات والألعاب الآلية هي للأولاد! لماذا نصر على قولبة أطفالنا منذ الصغر بطرق مباشرة وغير مباشرة فيما يصح أن يكون من هواياتهم وما لا يصح؟ فعلى سبيل المثال أفضل طهاة العالم هم رجال، وأكبر فنانين ونحاتين العالم على مر التاريخ من الرجال. لماذا يتم كسر شوكة الطفل في أعوامه الأولي من خلال موقف مثل الذي تعرض له ابني حين يقول له أي من الأشخاص أن هذه اللعبة هي للبنات فقط؟ ما الاستفادة من تلك التفرقة والقولبة سوى خسارة امكانية تطوير موهبة أو هواية أو قدرة ذهنية هنا أو هناك؟ ناهيك عن الأثر النفسي لمثل هذه الكلمات لأطفال لا يزالوا في مرحلة تطور للشخصية واكتشاف لما يحبونه ويبرعوا فيه.

وللأسف ففي مجتمعنا الشرقي الأصيل لا تقف التلميحات و التفرقة عند هذا الحد، فمازالت الجملة الشهيرة “مفيش رجالة بتعيط” تجعلني استشيط غضبا إن قيلت لأحد من أولادي في أي من المواقف التي يبكون فيها لأي من الأسباب الطبيعية مثل الإصابة أو الحزن من فقدان أي شيء.

إن كانوا الذكور غير مصممين للبكاء فلماذا خلقهم الله مثل الاناث لديهم القدرة على البكاء والتأثر كسائر مخلوقات الله؟! فحتي الحيوانات تبكي! لماذا نستكبر على الأولاد والرجال أن تبكي؟ ماذا ينتقص منهم البكاء؟ ولماذا يصنف البكاء كعلامة ضعف بدلا من علامة على القدرة على التعاطف والاحساس بالآخرين؟ بالعكس، فإنني أراها علامة صحية للتنفيس عن مشاعر الإنسان بدلا من كبتها خوفا من حكم المجتمع والمحيطين وتغيير الصورة النمطية عن أن قوة الرجال تكمن في عدم تأثرهم بأي شيء.

لماذا نريد أن نستمر في تربية أبناء وأزاوج وآباء غلاظ القلوب لا تهتز مشاعرهم لأي شيء؟ كم من النساء كتمن دموعهن للحفاظ على مظهرهن القوي أمام مجتمعات ذكورية سواء في العمل أم في الأوساط الاجتماعية المختلفة.. وكم من النساء اللاتي أعرفهن وأولهم والدتي هن أقوي من عرفت في حياتي وأطمح أن يكون لابني نصف شجاعتهم وقوتهم في مواجهة ما سوف يمر به في حياته مستقبلا.

أتمني أن يتخلص مجتمعنا من الصور النمطية التي لازمتنا لعقود وقرون ويتيح الفرصة لكل فرد ليعبر عن نفسه بدون قيود وبدون قالب محدد مسموح له التحرك بداخله فقط، أن نكف عن رسم توقعات معينة لشخصية معينة وفقا لجنس الإنسان وليس وفقا لشخصية وطموحات الفرد الحقيقية المجردة من أي مخاوف من أن يتم الحكم عليه.