لا يمكن قياس درجة النجاح إلا بالاستمرارية، فالبدايات غالبًا موفقة، وبعد اقتراب المسلسل الاجتماعي “سابع جار” من إتمام الثلاثين حلقة، واستمراره في جذب الجمهور والتفاف الأسرة حوله، من العدل أن يُشهد بنجاح دراما “الجيران” التي أعادت المشاهدين لحنين الثمانينات والتسعينات التي شهدت أيضًا عدة قصص ناجحة أبرزها “ساكن قصادي”، و”أهلا بالسكان”، وغيرها من مسلسلات الجيران التي لم تخب أبدًا وكان دائمًا لها جمهورها.
https://www.youtube.com/watch?v=0CnXGnEr2Do
“سابع جار” نجحت من خلاله المؤلفة هبة يسري، التي تخرجه بالاشتراك مع أيتن أمين ونادين خان، في استعادة حالة المسلسلات التي تشبه الواقع اليومي للمواطن المصري، بسرد حكايات مختلفة في إطار السكن الواحد، أحداث مترابطة، وعلاقات مختلطة، تضم بداخلها أسرٌ جمعت بينهم “العشرة”، عائلات أفرادها هم أحدنا، الأم الأب الأبناء الأزواج، عوامل وشخصيات كثيرة، حققت له النجاح دون “بهرجة” إنتاجية، تجربة أثبتت نجاحها، لتنضم لعدة تجارب أخرى يرصدها “إعلام دوت أورج“، فيما يلي:
ساكن قصادي
الدراما التسعينية الأكثر شهرة، للأجيال المتوسطة حاليًا، سواء من مواليد الثمانينات أو ما قبلها، أو أوائل التسعينات، ممن شاهدوا الكوميديا الاجتماعية، في حلقات متصلة منفصلة، قصص ومغامرات يومية، جمعت بين شعبية منزل محمد رضا “سيد الأخضر” صاحب محل الحلويات، وزوجته خيرية أحمد “أنيسة”، التي لا يخلو حديثها من الأمثال الشعبية، وولدهما محمد الشقنقيري “حسن”، الطالب الجامعي، وارستقراطية منزل عمر الحريري “كمال الحمراوي”، مدير أحد الشركات، وزوجته سناء جميل “سلوى” وابنتهما ميرنا المهندس، أو من بعدها هبة كامل “ليلى”، حيث تسكن كلا الأسرتين أمام بعضهما في نفس الدور، فتستعرض حلقات المسلسل العديد من قضايا الجيرة، والمواقف التي يتعرض لها الجيران سويًا بشكلٍ كوميدي ساخر، لم يغفل عن الاختلافات المجتمعية، لينجح بذلك في الوصول لكافة أفراد المجتمع بكل طبقاتهم، فيحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا ليس فقط في مصر، إنما في دول الخليج العربي التي كانت تستعرضه وقتها بأجزائه.
أهلا بالسكان
دراما الجيرة الأشهر في الثمانينات، التي سلطت الضوء على أسرتي صديقي الجامعة حسن عابدين “عصفور”، وحسن مصطفى “سنطاوي”، فتغيرات الحياة التي جعلت الأول يعمل عند الثاني، حيث ضنك الحال أصاب حياته، والأموال تدفقت في يد صديقه، الذي يكتب له أحد عقاراته التي عليها خلافًا قانونيًا ليتهرب منه، ويمنحه شقة فيها بدلًا من منزله الذي على وشك الانهيار، ويعيش فيه مع والده وزوجته وأبنائه وزوج ابنته وأطفالها، لتبدأ قصص فرعية بين “عصفور” ومستأجري شقق العمارة، جيرانه المختلفين في إسقاط اقتصادي وسياسي وقتها على أن الأموال أصبحت في ملك “الراقصة، والسباك” بجانب الوزير، لتجمعهم عمارة واحدة، في خليط كوميدي كان له صداه وقتها.
جيران سميرة أحمد
في الألفينات كان للجيرة شكل آخر، حيث إنه لم تتاح له الفرصة بأن تصبح الجيرة هي القصة الأصلية التي تستند عليها أحداث المسلسل، بل كانت مجموعة من القصص المتداخلة داخل الدراما في العديد من المسلسلات، لكن اللافت في النظر فيها كان تجارب الجيرة التي اتخذت مساحة في أعمال الفنانة سميرة أحمد، سواء في عام 1998 في مسلسل “امرأة من زمن الحب”، التي استعرضت قصة أسرة نزيه، جيران أبناء شقيقها التي ترعاهم، والتي ألقت الضوء من خلالها عما أصاب المجتمع اللبناني من استشهاد وتفكك وضياع، إثر الحرب الدائرة فيها، أو عام 2002 بمسلسلها “أميرة في عابدين” التي نقلت قوة العلاقات التي تربط بين الجيران في المناطق الشعبية، والتي تفتقدها الأسر في الأخرى الحضارية، وبعدها ظهرت بشكلٍ كوميدي جديد عليها، عام 2010، كـ”فوزية” في “ماما في القسم” الجارة وصاحبة العمارة المتسلطة التي تضايق كل جيرانها بسبب قواعدها القاسية، وحرصها على الالتزام والصرامة في التعامل، للدرجة التي كانت تلجأ لـ”صب الماء” عليهم من شرفتها.
لم تخلُ أكثر المسلسلات في الألفينات من فكرة علاقات “الجيرة” لكن أن يقوم المسلسل بالكامل على “الجيران” أمرٌ قد افتقدته الشاشة المصرية مؤخرًا وأعاده لها “سابع جار”، والذي كان لا بد له من النجاح لأسباب عدة يشترك معه فيها من سبقوه في نفس السياق ويمكن رصدها فيما يلي:
(1)
غالبًا ما يعتمد صناع ذلك النوع من المسلسلات على أن تكون واقعية ومن قلب الفئة المتوسطة من المجتمع، لا المرفهة ولا الفقيرة، وإن شملتهم في بعض الأحيان، دون التعمق في ظروفهم المادية، فالملابس، والأثاث، والوظائف والعلاقات والشخصيات كلها تلمس الواقع، لا مجال لـ”الأفورة”، في مظاهر الحياة.
(2)
مسلسلات الجيران دائمًا ما تنجح في وصفها بـ”دراما ربات البيوت”، خاصة أنها تُبرز دور السيدات غير العاملات، كحبكة درامية، كونهن هن الأكثر تعاملًا مع جيرانهن، من غيرهن العاملات، وأيضًا فإن ربات البيوت هن من يتابعن تلك المسلسلات بكثافة، لأنهن يجدن أنفسهن في الكثير منها، بدون ألماس ولا ملابس فارهة، ولا مكياج وكعوب عالية، فبطلات تلك المسلسلات دائمًا هن أشبه بأغلب أمهات المجتمع المصري، للدرجة التي نجحت فيها دلال عبد العزيز وحتى شيرين التي تخلت عن “مسعودي” وأصبحت ربة منزل تعتني بتفاصيل حياة شقيقتها، وتؤمن بالحسد، وتقترح عليها بعض الأمور التي من الممكن أن “تعدل حال بناتها”.
(3)
الحوارات البسيطة أيضًا وغير المتكلفة تمامًا، المصرية الخالصة الخالية من اللغات الأجنبية التي أصبحت “عادية” في أي دراما أخرى، والتي غالبًا ما يتعمد صناع الدراما مؤخرًا على إبراز أن كافة المنازل المصرية أصبح أطفالها يقولون “مامي وبابي وهوم وورك وسكول” كأنهم لا يذهبون للمدرسة التي يذهب لها كافة الأطفال، حتى الحوار بين الآباء والأولاد، والأشقاء والجيران، تبدو مألوفة وقد مر بها أحدنا.
(4)
المساحة الواسعة التي يمنحها المسلسل لأبطاله، تجعل المجتمع كله يسكن في عقار واحد، حيث هنالك المحجبة وغيرها، التي ترغب في الحب، والتي تهرب منه، التي تريد الإنجاب، والتي تخاف من المسئولية، الزوج الأرمل، والابن الذي تبعده الحياة عن أهله، الزوج المتذمر دائمًا، والأخوة المختلفين بالرغم من وجودهم في منزل واحد، الأشخاص “الأندال” أو الطيبين اللذين نقابلهم في الحياة، تلك الخلطة من الشخصيات تجعل الحياة كلها تنتقل من الخارج إلى الشاشة الصغيرة، وليس ذلك فقط، بل تخفف ما يراه أي شخص في حياته، بتذكيره بـ”جدعنة” الجيران وعزوة الأسرة.