في يناير 2005 دعينا للاحتفاء بعودة أحمد زكي للتمثيل والاعلان عن فيلم “حليم” بعد فترة إختفاء وصدمة حزينة عقب إكتشافه لمرضه الخطير وبالفعل ذهبت فوجدت حشدا من النجوم لم أشاهده سوى في إفتتاح المهرجانات الكبرى جاءوا جميعا لمشاهدة أحمد زكي والإطمئنان عليه، الجميع كانوا يحاولون التماسك وإخفاء الحزن عندما ظهر زكي “منهك” وهو يصعد لخشبة المسرح واستقبلته “ماجدة الرومي” بباقة ورد بعد أن حضرت خصيصا من بيروت للترحيب به وما إن بدأ أحمد زكي حديثه بصوت “واهن” حتى بدأ الحضور بالتصفيق وإطلاق صيحات وعبارات الترحيب للنجم المحبوب، كان يقف بجواري القدير “يحيى الفخراني” نظرت له وجدته “يمسح” دموعه تأثرا من المشهد ومثله كان كثيرا من الحضور كان مشهدا به مشاعر يصعب وصفها.
قال أحمد زكي حينها “مررت بظروف صعبة وقاسية طوال فترة المرض وعرفت قيمة اللحظة التي يعيشها الإنسان معافى من المرض ..لقد خضت معركة شرسة ضد مرض السرطان وكان معي حلفاء كثيرون من جمهوري في مصر والعالم العربي وكانت دعوات الناس الطيبين من أهم أسلحة مقاومة المرض.
بعد تلك الواقعة بنحو شهرين وتحديدا في مارس كنت أجلس في غرفتي بالفندق العريق “الأوراسي” بالعاصمة الجزائر ننتظر وصول القادة والزعماء والملوك العرب لإنعقاد مؤتمر القمة العربية عام 2005 كان معي بالفندق جمع من أهم صحفيين السياسة في العالم العربي، فتحت التليفزيون لمتابعة الأخبار على قناة العربية وفجأة جاء تقرير من امام مستشفى دار الفؤاد للزميل “محمد صلاح الزهار” يتحدث بمشاعر حزينة عن حالة الفنان أحمد زكي “المتأخرة” وهنا وجدت دموعي تسقط، ونزلت من الغرفة لتناول العشاء فوجدت الحديث عن أحمد زكي يسيطر على حوارات الجميع ونسوا الحدث السياسي الهام الذي نستعد له وبدى لي أن هذا الفنان يملك رصيدا كبيرا من الحب لدى جميع الأطياف من الناس في العالم العربي كله.
لا نجاوز الحقيقة اذا قلنا أن أحمد زكي شكل حالة فنية فريدة فكان هناك شبه إجماع على أنه صاحب الموهبة التمثيلية الأكبر بين نجوم جيله هو أستاذ التشخيص والتقمص في أعماله قال عنه المخرج يحيى العلمي بعد إخراج رائعته مسلسل “الأيام” أخشى أن أعطي دور واحد يحتضر لأحمد زكي فيحتضر فعلا!!
أكثر الممثلين وأنجحهم تجسيدا للسير الذاتية من خلال ثلاث أعمال صدقناه في الثلاث شخصيات وكأنهم عادوا للحياة أولهم كان عن طه حسين مسلسل “الأيام” ثم جمال عبدالناصر وفيلم “ناصر ٥٦” وأخيرا فيلم السادات “أيام السادات” ومن الصعب أن تصدق أن الممثل واحد في الثلاث أعمال فجسدها زكي ببراعة وقدرات تمثيلية نادرة.
المعاناة والتعب عنوان مشواره منذ البداية ومعاناة البحث عن فرصة للنجاح والنهاية مع معاناة المرض اللعين! وبينهما حالات إخفاق في حياته الخاصة!
عندما سحبت منه بطولة فيلم “الكرنك” في بداية حياته الفنية فكر في الانتحار لولا وقوف صلاح جاهين بجانبه في تلك المحنة وقال له أنت موهوب والبطولات قادمة ولا تتعجل وبالفعل أصر على ترشيحه فيما بعد لمشاركة نفس بطلة الكرنك سعاد حسني فيلم “شفيقه ومتولي” ويبدأ الصعود حتى يصير أحد كبار الفن العربي ولكنه لم يعش حياة النجومية كان بسيطا في حياته ولا يهتم بجمع الملايين على سبيل المثال وكأن الجملة التي قالها في فيلمه الشهير “النمر الأسود” عبرت عن جزء من شخصيته “الحاجات بتيجي أول ما نبطل ندور عليها أو نستناها، المشكلة بقى هل لما هتيجي هنكون جوانا نفس الشغف” وكثير من جمل الأفلام ستجدها تعبر وتقترب من هذا الفنان وكأنه كان يختارها أو يكتبها بنفسه في السيناريو، من خلال شخصياته تسلل لقلوب المشاهدين فكان الصعيدي والفلاح والجندي وابن الحي الشعبي والضابط والمحامي رأوا فيه أحلامهم وإنكسارتهم وأفراحهم ولذلك كان فنان “شعبي” بامتياز ونال حب إستثنائي.
نصيبه من قائمة أفضل 100 فيلم مصري 6 أفلام هي “أحلام هند وكاميليا” “زوجة رجل مهم” “البريء” “الحب فوق هضبة الهرم” “اسكندرية ليه” “أبناء الصمت” وكان يقول أنا أذهب للشخصية التي سأجسدها لأكون حرامي أوضابط أو محامي.. وبالفعل تقمص جميع شخصياته بأداء رفيع المستوى وتأثر بالشخصية بشكل كبير ولذلك كانت تخرج منه حركات جسد “عفوية” أثناء تأديته لشخصية ما مثلما حدث في فيلمه الشهير “زوجة راجل مهم” عندما قام بخلع ساعته أثناء التحقيق مع أحد الأشخاص استعداد لضربه! وصولا لنظرات عينيه، فهو من الممثلين القلائل الذين تتذكر نظراتهم عبر كثير من شخصيات أعماله ويقول عن نفسه ” أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة، أنا رجل بسيط جداً لديه أحاسيس يريد التعبير عنها، لست رجل مذهب سياسي ولا غيره، أنا إنسان ممثّل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان” وخلال مشواره شكل ثنائيا ناجحا مع المخرجان عاطف الطيب 5 أفلام ومحمد خان 4 أفلام ليقدموا مجموعة من الأفلام المميزة وكان بينه وبين خان علاقة صداقة قوية ورغم أنهما كانا كثيرا الخلافات أثناء التصوير يعاودان العمل معا من جديد!
روت لي المخرجة “ساندرا نشأت” عن كيف استقبلها وهي لاتزال في بداياتها عندما ذهبت ومعها الكاتب إبراهيم عيسى لعرض سيناريو فيلم عليه تقول “هو فنان يعطيك دعم وشحنة مشاعر إيجابية للنجاح بشكل غير طبيعي لم ألمسه من نجم آخر ولكن للأسف لم يكتمل حلم التعاون معه رغم اعجابه الشديد بالسيناريو لإنشغاله باشياء أخرى وقتها..ولكنها عندما طلبت منه أن يضع صوته على إعلان فيلمها الأول “مبروك وبلبل” ليحيى الفخراني وافق وقال ضاحكا مش هاخد أجر بس تعزموني على الفطار “فول وطعمية” وبالفعل حضر لاستوديو نحاس ووضع صوته على إعلان الفيلم وكانت مفاجأة للجميع.
بخلاف زواجه من الفنانة هاله فؤاد، ربطت الشائعات بينه وبين أكثر من فنانة ولكنه “أبدا” بشهادة المقربين منه لم يتحدث من قريب أو بعيد عن علاقاته الخاصة فقط كان يتحدث طوال جلساته عن الفن ويحكي عن ذكرياته مع أعماله وتقليده للفنانين واذا لم يعجبه حديث شخصا ما في تلك الجلسة “يرتدي” نظارته السوداء!