ماذا حدث للغتنا العربية الجميلة؟ ولماذا لا يُتقنها الكثير منا؟ لماذا لا يحبها الأطفال ولا يستخدمها المراهقون؟؟ نرى في كتاباتنا علي “فيس بوك” وغيره كم من الفضائح اللغوية التي يجب أن يُعاقب عليها القانون: الذال زين والصاد سين والقاف كاف والهمزة تائهة بين السطر والياء والواو وفي معظم الأحوال غلط.
زرت مؤخرًا معرضًا للكتاب في مدرسة ابنتي وهي المدرسة الأمريكية الدولية وعلي الرغم من اشتراك الكثير من دور النشر إلا أن عدد القصص باللغة العربية محدود جدًا وعناوين القصص تسبب كوابيس وغشي ليلي ومنها: “فتاة الأحافير” و “أنا يرقانة” واكشفت أن الكتب كلها مستوردة من الدول العربية!! فالتمست بعض العذر لعدم انجذاب الأطفال لها.
نرشح لك: رشا سري تتذكر: المدير يوسف شريف رزق الله
وكنت قد تعودت منذ فترة علي الأخطاء اللغوية المتكررة في نشرات الأخبار علي معظم شاشات القنوات الإخبارية حتي أصبحت من ضمن الأخطاء الشائعة ومنها علي سبيل المثال: قال أن وليس إن / حيث أن وليس إن وغيرها من الكوارث في بديهيات اللغة. ودائمًا ما انتقد أخطاء المذيعين اللغوية بحكم إنني كنت مذيعة نشرة باللغة العربية في قناة “النيل للأخبار” لمدة ٧ سنوات في أيام مجدها ولكن هل أنا ضليعة ومتبحرة في اللغة العربية؟ لا لا لا absolutely not
تذكرت إنني منذ سنوات لم أكن ضليعة في اللغة العربية وكنت مثار سخرية للكثير من المقربين بسبب أخطائي اللغوية فكنت أقول وصلة الهمز بدلاً من همزة الوصل ولا أقرأ بالعربي لأني نشأت علي الأدب الأجنبي ولا أستسيغ القراءة باللغة العربية. خريجة مدارس أجنبية وجامعة أمريكية وعملت في بداية حياتي العملية في وكالة أنباء “رويترز” الإنجليزية ثم التحقت بقناة “النيل الدولية” للعمل فيها كمقدمة نشرة ومذيعة برامج باللغة الإنجليزية ثم سافرت للعمل في قناة “دبي” الاقتصادية كقارئة نشرة باللغة الإنجليزية فتاهت مني اللغة العربية تمامًا.
نرشح لك: رشا سري تتذكر: تغطيات شرم الشيخ
لذلك كانت مفاجأة وطامة كبري عندما طلبتني الأستاذة سميحة دحروح رئيسة قناة النيل للأخبار في أواخر عام ٢٠٠٤ للالتحاق بالقناة أنا وصديقي المذيع شادي شاش الذي يتمتع بلغة عربية سليمة منذ صغره بحكم نشأته في بيت الإذاعية القديرة الأستاذة أمينة صبري رئيسة شبكة صوت العرب سابقاً. أنا؟ أقرأ نشرة باللغة عربية؟ ههههه النكتة دي جديدة!!
كنت ناجحة ومستقرة جداً في “Nile TV” ولدي العديد من البرامج ولا يوجد سبب واحد مقنع يجعلني أرحل عنها ولكن اقتنعت بوجهة نظر شادي إن المستقبل في اللغة العربية وليس الإنجليزية وان بإمكاني التدرب بكثافة علي طريقة روكي والتحدي الأعظم. وبالفعل تتلمذت لمدة ثلاثة أشهر علي يد شيخ في إذاعة القرآن الكريم الذي أخذ علي عاتقه مهمة تعليمي اللغة العربية بلا مقابل علي شرط أن أحضر معه نوبات عمله (شيفتات) في الإذاعة. وبدأنا من أول زرع وحصد. كدت أن أصيبه بالشلل الرعاش عدة مرات ولكنه كان خفيف الظل ويتقبل الأخطاء بدعابات باللغة الانجليزية الركيكة.
نرشح لك: رشا سري تتذكر: أول موقع إلكتروني لبرنامج على التلفزيون المصري
وكانت الأستاذة سميحة تتابعني بسؤال واحد كل فترة: “حتيجي لنا امتي؟” وأجاوب بكلمة واحدة: “لسه”
والتحق شادي بقناة النيل للأخبار قبلي لإنه كان جاهزًا وكان يمدني بالنشرات للتدرب عليها ودربني هو شخصيا كثيرًا وكان يفقد أعصابه كثيرًا لما يسمعه من “بلاوي لغوية” واستعنت أيضًا بصديقي المذيع المتألق حسن فودة الذي علمني الأرقام وإعرابها وكنت أقابله في شيفتاته بقطاع الأخبار.
نرشح لك: رشا سري تتذكر: مذيعة ماسبيرو بـ”الملاية اللف”
وفي أول فبرابر من عام ٢٠٠٤ اتصلت بالأستاذة سميحة دحروج وقلت لها: “أنا جاهزة” وبعدها بأسبوع قرأت أول نشرة باللغة العربية وسط حالة من الضحك الهيستيري من الأصدقاء المقربين الذين يعلمون حال اللغة عندي. ولكن كان لدي ثقة بأني أصبحت مُدربة وجاهزة بشهادة كل من دربني.
واتصلت بي الأستاذة سميحة بعد انتهاء أول نشرة لي باللغة العربية في قناة النيل للأخبار وظننت إنها ستهنئني علي أدائي الرائع الذي لم ولن يحدث مثله. ولكنها عاتبتني بأرق الكلمات وأكثرها وجعًا قائلة: “ليه تعملي فيّ كدة؟ أنا وثقت فيكي لما قلتي إنك جاهزة؟ اللي شفته علي الهوا واحدة خواجاية.. معرفش تعملي إيه دلوقتي بس أنا ما أقدرش أطلعك علي الهوا كدة تاني..”
ونزل علي الكلام كالصاعقة.. تتصرف كيف يا عبد الرحيم؟ تتصرف كيف يا عبد الرحيم؟ أرجع الـ”Nile TV” تاني وأعلن هزيمتي أمام اللغة العربية؟ زمانهم أصلاً وزعوا تركة برامجي هناك.. طيب أشوف شغل تاني.
وجاء الرد علي هذه التساؤلات بعد يومين عندما اتصلت بي الأستاذة أمينة صبري التي اعتبرها أمًا ثانية لي لتبشرني انها استطاعت أن تُقنع الأستاذ عبد الوهاب قتاية الذي علم أجيال فن الإلقاء أن يقابلني في مكتبها ليعرف حقيقة مشكلتي فين. ولم يستمر لقائي مع الأستاذ عبد الوهاب أكثر من ٥ دقائق. فبعد أن قرأت له عدة سطور من النشرة قاطعني قائلا: “عارفة كتاب الأيام لطه حسين؟ إقري منه عشر صفحات ٣ مرات في اليوم بأعلي صوت عندك، إنتي النحو مضبوط عندك بس الفك مش متعود ولا متركب علي اللغة العربية، بعد أسبوع روحي لسميحة قوليلها عبد الوهاب قال إني جاهزة” بس خلاص دي كانت الوصفة السحرية لتدريب الفك علي اللغة العربية. وواظبت علي النصيحة بكل حرص وصدعت شارع بيتنا كله بصوتي العالي وقصة الأيام. وبعد أسبوع قلت تاني للأستاذة سميحة إني جاهزة ولم تصدق التحول الذي حدث خلال أسبوع واحد من واحدة خواجاية لقارئة نشرة باللغة العربية. ولم يتوقف الأمر فاستمريت في التعلم وارتكاب الأخطاء البسيطة والتعلم منها. اللغة العربية تحتاج لمجهود كبير في تعلمها واتقانها واستساغتها لأنها لغة صعبة جدًا ولكنها لغة جميلة.