عاد الكاتب عمر طاهر للكتابة مرة أخرى بـ”المصري اليوم” بعد غياب طويل زاد عن 6 سنوات، حيث كان آخر مقال نُشر له بالموقع في 18 يونيو 2011، بعنوان “عمو مصطفى”.
وفيما يلي نص المقال الجديد الذي نشر مساء أمس الثلاثاء بعنوان “ما أفسده الإصلاح”.
“عزيزي توم هانكس”
سأزعجك بخطاباتي كل أحد وأربعاء، فأرجو أن يتسع لي صدرك، اعتبرها فضفضة، فنحن نعيش أزهى عصور الإصلاح، والإصلاح عملية تقوم الحكومة خلالها بسحب المال من جيب المواطن ثم تقدمه له في هيئة أرقام يتغذى عليها.
كنت قبل أسبوع قد دخلت على زوجتي طائرا من الفرحة أنقل لها أن هناك تحسنا في ميزان المدفوعات بنسبة 0.07% وطلبت منها أن تصنع لنا كيكه احتفالا بهذه المناسبة، فسلمتني بانكسار نسخة من قرار وزارة الكهرباء برفع عداد الشقة لأنني تقاعست عن سداد فاتورتين، للأمانة لم تعد الكهرباء تنقطع لكن نفسنا هو اللي اتقطع، فالإصلاح يذكرني بالحكمة الألمانية التي تقول «أسرع حيوان ينقلك إلى الكمال هو الألم»، ونحن نتألم في سبيل الكمال الذى تحلم به الحكومة على قفانا، أما الحيوان فهو يحظى بأعلى تكريم عندنا لدرجة أن أشهر مستشفى بيطري حكومي في العباسية اسمها «مستشفى الشعب».
الإصلاح عزيزى «توم» عملة ذات وجهين، يُصلح ويفسد فى الوقت نفسه، أفسد الإصلاح القيمة الحقيقية للأشياء حولنا من أسعار السيارات إلى الفاصوليا البيضاء، أصبحنا نستخدم فى حياتنا اليومية أرقاما كنا نخاف أن نقترب منها قبل فترة، كان سقف جملة «شوفى لى معاك» مئتى جنيه على أقصى تقدير، صرنا نسمع جملا مخيفة من نوعية شوف لى معاك تلاتين ألف جنيه، كنا إذا صادفنا سلعة ما عالية السعر نعلق بنبرة الفنان صلاح منصور الهادئة «لا غالية»، صرنا اليوم إذا صادفناها نعلق بنبرة مرتضى منصور «مستحيل»، مستحيل أن يكون هذا هو سعرها، ومستحيل أن ندفع فيها هذا السعر، ومستحيل أن تستمر الحياة بهذه الطريقة.
https://www.e3lam.org/2017/10/05/249987
أفسد الإصلاح الطموح، من حق كل أسرة أن تبحث عن «نقلة» ما، كل حسب شكل حياته، تغيير السكن أو السيارة أو تغيير مدارس الأولاد أو حتى ستائر الشقة، طُويت هذه الصفحة، وأصبحنا جميعا نؤمن بأن «اللى جاب جاب خلاص»، وأصبح الطموح هو البقاء على قيد المستوى الاجتماعى الذى يعيشه كل واحد، أعدنا جميعا ترتيب أولوياتنا بصرامة حفاظا على الحد الأدنى، وصرنا نلعب فى الحياة بخطة مستر كوبر «دفاع المنطقة»، كان طموح كوبر الوصول إلى «كأس العالم»، بينما طموح كل واحد فينا حاليا «إنه ما يفرجش عليه العالم».
أفسد الإصلاح العلاقات الاجتماعية، الخوف من العوز أو اهتزاز البرستيج كشف كثيرين، أصبح إيقاع المدد والمعونة بطيئا للغاية، يفكر كل واحد جيدا فى الموضع الذى سيخرج إليه جنيها من جيبه، والناس معذورة، فى أوقات المرح مثل أوبن بوفيه الأفراح لا يوجد عزيز أو غال، ويزاحمك المتلهفون بقسوة على «سرفيس أم على» فما بالك بوقت الأزمة؟. انخفض سقف المجاملات، وتطورت مهارة تأليف الأعذار، وإذا وقعت تحت ضرس شخص يرى فيك «جنيها محتملا» فلتسأل الله السلامة.
مشكلة الإصلاح أن لا أحد يعرف متى وكيف سينتهى؟، يعنى «يحصل إيه قوم نعرف أنه كده اتصلح حالنا خلاص؟»، هذا سؤال يجعل الناس تتحدث إلى نفسها، الميزة الوحيدة فى الإصلاح أنه جعلنا جميعا متساوين كقطع الدجاج التى يمر عبرها سيخ الشيش طاووق، الجميع يتدربون على «الاسترخاص»، ويمارسون مهارات «التأقلم»، ويتحايلون بونس المركب الواحدة التى تقلنا جميعا على شدة الخوف من الطوارئ والمصاريف غير المتوقعة.
عزيزى توم، لا تقلق، إحنا بتوع «ياما دقت ع الراس طبول»، و«اللى عنده عيش يبله عنده الهنا كله»، حياتنا مستمرة، نعيشها ما استطعنا إليها سبيلا، نسرق من الضغوط حق جلسة القهوة مع الحبايب وتذكرة لحفلة على الحجار وتكاليف يومين مصيف مع الأولاد وعلبة حلاوة المولد وكوفية شتوى مبهجة، فلا تشعر بالأسى، نحن المصريين «مايتخافش علينا»، وإن كان ثمة خوف، فـ«يتخاف مننا».
محبتى.. عمر