في عيد ميلاده الفني الأربعين، يمنحنا علي الحجار نفحة جديدة ومتجددة من البهجة بألبومه (ما تاخدي بالك) الموجود بالأسواق منذ نحو أسبوعين، وهي جديدة لأنه عودنا عليها من آن لآخر نحن جمهوره وعشاقه ومحبوه، ومتجددة لأنها جاءت بمثابة خلطة فنية سحرية تواكب روح العصر، علي الحجار ولد فنياً على أيدي فلتة الموسيقى العربية بليغ حمدي، حين قدمه في إحدى حفلات رأس السنة عام 1977، بإحدى أشهر أغانيه (على قد ما حبينا)، فكانت وقتها طلقة فنية تنبىء بقوة، أن هناك شاب في الثالثة والعشرين من عمره، ظهر على ساحة الحياة الغنائية المصرية، ليشغل مكاناً يستحقه على قمتها طوال أربعة عقود الآن.
كنت لا أزال وقتها ابن الست سنوات، لا أدري بعد من أمور دنياي الكثير، بعدها بعامين، التقطت أذناي صوته لأول مرة، حين تابعت مسلسل (الأيام)، قصة حياة د. طه حسين، ولطالما شكرت والدي رحمة الله عليه أن حرضني على مشاهدته برفق وإصرار، بدافع التعرف على مسيرة حياة عميد الأدب العربي، ولم يكن يدري أنه يأخذ بيدي أيضاً لاثنين من أهم صناع البهجة في حياتي، المشخصاتي أحمد زكي، والمغنواتي علي الحجار، ولدرجة أن شكل ثلاثتهم، العميد والمشخصاتي والمغنواتي، ضفيرة واحدة في تشكيل الوعي والوجدان داخلي، وإلى حد أنه حين يمر أمامي اسم الرواية أو المسلسل، يشخص ثلاثتهم في مخيلتي على الفور.
كانت هذه بطاقة التعارف الأولى، ولم يكن وعي السن وقتها ولسنوات قليلة بعدها، يسمح بالبحث عن شرائط الكاسيت، أو بالذهاب خلف علي الحجار حتى أسمعه، إلى أن عرض مسلسل (رحلة السيد أبو العلا البشري) عام 1985، فصار بكل حب مطرب عمري كله، مضمون المسلسل كان يؤصل لعدة قيم في الحياة، ومن بينها قيمة الفن، متمثلة في دور محسن الذي قدمه علي الحجار، دور المطرب الشاب الموهوب، والحائر بين فن حقيقي يؤمن به، وآخر تفرضه قوانين السوق، وحسم محسن اختياره في المسلسل، وكأن علي الحجار يحسم معه اختياره في الحياة، فلم يقدم يوماً إلا فناً حقيقياً يعيش أبداً ولا يموت غداً.
وهو ما وصل به إلى قمة التفوق الاستثنائي في عامه الفني الأربعين، فلم أره هذا العام إلا النشط المتوهج، يصول ويجول بخبرة الكبار، وروح الشباب، وجنون المبدع، وإحساس الصوفي، علي الحجار هذا العام انتظم كعادته منذ عشر سنوات في حفله الشهري بساقية الصاوي، بل وزاد عليه حفلاً شهرياً ثانياً منذ ابريل الماضي، في استجابة ودودة لرغبة جماهيرية ملحة، كما حافظ على ظهوره السنوي لأكثر من مرة على مسارح أوبرا القاهرة والإسكندرية ودمنهور، ومعها مسرح مكتبة الإسكندرية ومحكى القلعة والمسرح القومي، وشاهدناه من آن لآخر ضيفاً على شاشات الفضائيات الأكثر مشاهدة، في سهرات غنائية حملت البهجة حتى مقاعد المشاهدين في منازلهم.
ولإنه رائد في فنه، بادر منذ أبريل الماضي بفتح باب التواصل معه، من خلال صفحته الرسمية على الفيسبوك، للشباب الموهوبين في مجالات الشعر والموسيقى والغناء، ومع وعد بتقديم موهبتين في كل حفلة من حفلاته، بحيث يمنحهما فرصة التواصل مع جماهيره السميعة الذواقة، فكان أن قدم حتى الآن أكثر من ثلاثين موهبة شابة ولا يزال، والأجمل أنه يعد لعمل غنائي كبير يجمع فيه هذه المواهب تحت عنوان (100 سنة غنا)، يكتبه صديقه الكاتب الكبير إبراهيم عيسى، وفي خضم هذا كله كان علي الحجار يضع لمساته الأخيرة، على جهود طال وقتها كعادة المبدعين الكبار الحريصين على إتقان ما يحسب عليهم، ولكنها أثمرت.
أثمرت تحفته الجديدة الرائعة (ما تاخدي بالك)، ألبوم يضم 12 أغنية ترسم لوحة تشكيلية مبهجة، تداخلت فيها ألوان علي خريج الفنون الجميلة، مع حواس الحجار المطرب الفنان صاحب الرؤية، فلم نجد أنفسنا إلا ونحن نحوم مع الألبوم في رشاقة الطيور، من سحر موال الجنوب في مصر، إلى عنفوان الراب في المغرب العربي، جبلي وبحري، سمسمية وعود، كولة وساكس، إيقاعات شرقية ووتريات، بزق وكلارينيت، ومنير الجزايري وجمالات شيحة، وكما يذكرنا بالشوق إلى دفء الحبيب ونحن على أعتاب الشتاء، يؤكد أن الغرور لا يولد إلا الهجر، والعند والحب لا يجتمعان، ولا ينسى لحظة وسط هذا الكم من التنوع والاختلاف أنه علي الحجار.
ولأنه اختار من يومه أن يحمل فنه على كفه بجرأة، في مواجهة شراسة قواعد السوق، يواصل بجلد إنتاج ألبوماته بنفسه، ولكن لا يمنعه هذا التقليد عن التجديد في مجال الإنتاج، فيستجيب بكل ود لمبادرة مجموعة من الشباب، من عشاقه المخلصين داخل مصر وخارجها، بأن يساهموا بمبلغ رمزي في إنتاج الألبوم، تقديراً منهم لشخص وفن علي الحجار، ولا يغفل أن يشكرهم بدوره بالاسم على غلاف الألبوم، توثيقاً لقيمة خصوصية العلاقة بين الفنان وجمهوره، ومؤكداً أن مساهمتهم كان لها أثراً عزيزاً على قلبه، ونشاركه الرأي، أنه على مدى مشواره الفني، لم يسمع عن مثل هذا التقدير، من قبل معجبين تجاه فنان أحبوه.
نهنىء أنفسنا قبل أن نهنىء الحبيب العزيز على القلب علي الحجار ورفاقه، الكبار منهم بوزن فوزي إبراهيم ومحمد العسيري ومحمد عبد القادر وأحمد الحجار وأمجد العطافي وهيثم توفيق وأشرف محروس وعبدالله حلمي وأحمد بدير، والشباب الواعد سالم الشهباني ومادو والعوامين أبناء الوز أحمد ومحمد حمدي رؤوف وأحمد علي الحجار، ومعهم باقي فريق عمل الألبوم الأيقونة من الشعراء والملحنين والموزعين والعازفين والجميع كل في مجاله، أحسنتم وأبدعتم وتألقتم، يا من تمنحون البهجة في زمن عزت فيه البهجة، ولا يفوتني التأكيد مجدداً، على ما أكرره في كل مناسبة، علي الحجار قصة نجاح مصرية متفردة وتستحق التوثيق، غني يا علي كمان وكمان وكمان.