فاتن الوكيل
إذا كنت في موقف الإرهابيين في سيناء كيف ستفكر بعد التطورات الكبيرة لصالح الدولة المصرية والعمليات الواسعة لصالح الجيش والشرطة على الأرض؟ تأتي الإجابة سريعا من الإرهابيين: “أهداف نوعية وصغيرة تُحدث أثرا كبيرا”، هذا بالفعل ما تعمل عليه الجماعات الإرهابية في سيناء بل وفي مصر بوجه عام، وكان آخر تحرك من قبلها على هذا النهج، هو استهداف مسجد الروضة في منطقة بئر العبد التي تبعد عن العريش قرابة الـ 50 كيلومترا فقط؛ وأسفر الهجوم الذي وقع خلال الاستراحة بين خطبتي الجمعة، عن استشهاد ما يقرب من 250 مصليا وإصابة العشرات.
نرشح لك: شاهد عيان يروي لـ إعلام دوت أورج كيف بدأ هجوم مسجد بئر العبد
هذا الاستهداف قابله البعض باندهاش من التطور النوعي الذي قام به الإرهابيون، من استهداف المسجد؛ واعتبر آخرون أن الأمر “عادي”، فمن يستهدف الكنيسة وهي بيت الله أيضا، يهون عليه المسجد ومصليه. لكن على الأرض الأمر يختلف عن ذلك، فعندما نتحدث عن جماعة ترى الجميع “كفار” وبيوت الله بيوت شرك طالما لم تكن تحت قيادتهم، يجب عندها أن نعرف أن الجميع من البشر إلى الحجر مستباح طالما أن ذلك في مصلحتهم، وسنوضح في السطور التالية أسباب استهداف الدواعش للمسجد الذي يقصده العديد من الصوفيين، بعد استهداف الجيش والشرطة والمسيحيين.
أرض جديدة
هكذا يرغب الإرهابيون في توسيع رقعة الخوف والرعب، بتوسيع نوعية عملياتهم من استهداف الجنود من الجيش والشرطة، ثم المسيحيين، ثم إلى فئة جديدة في المجتمع، وهم المسلمون من الذين يرفضون أفكارهم التكفيرية؛ والحجة هذه المرة هي أن المسجد تابع للصوفيين، الذين يتهمونهم بالكفر لتبركهم بالأضرحة.
إذا نظرنا للعملية على الأرض، يمكن وصفها بأنها عملية في متناول الإرهابيين. لم تحتاج العملية إلا لتحرك هذه العناصر بسياراتهم من مخابئهم إلى المسجد ليقوموا بفتح النار على المصلين. يعرفون جيدا أنهم لن يجدوا مقاومة تذكر في هذه القرية الصغيرة، فالجيش يتمركز على الحواجز وفي المواقع الهامة، وبالتالي فمواجهتهم أمر غير محسوب وثبت فشله أكثر من مرة، وتأكدوا من أن سقوط شهداء من الجيش والشرطة لا يزيدهم إلا ثباتا أكثر.
نرشح لك: 47 مليون جنيه تعويضات لشهداء مسجد العريش
أنا إرهابي إذا أنا موجود
الإرهابي الآن يشعر أن وجوده في سيناء وفي مصر بشكل عام أصبح مهددا، فبعد خيباتهم في العراق وسوريا، يجب أن يُثبتوا أنهم مازالوا هنا، لذلك فهو يرغب بإحداث صدمة للمجتمع المصري بأكلمه مفادها “لن يسلم من ليس معي”، لكن هذه الرسالة تحمل من التعجرف والغباء ما يزيد عن بث الخوف، ولن تدفع المجتمع إلا إلى التمسك أكثر بالحل الجذري للتخلص منهم، كما ستزيد من عمليات المراجعة الفكرية، التي إن لم تتم من الدولة فإن المواطن العادي يقوم عقله لها تلقائيا.
مساحات خالية وعداء صريح
في 2015 حاولت داعش السيطرة على مدينة الشيخ زويد، عن طريق الهجوم على خمسة عشر موقعا على الأقل، وكان من الواضح الدور البطولي الذي قام به أهالي الشيخ زويد من رفض تواجد هذه العناصر في شوارع مدينتهم المسالمة، للدرجة التي أدت إلى سقوط شهداء من المدنيين الذين رفضوا اعتلاء الإرهابين أسطح منازلهم.
على هذا النحو، من المفضل للدواعش الحرب في أرض خالية، فهم في الظروف الطبيعية لا يتمكنون من مواجهة الجيش والشرطة وجها لوجه، فكيف إذا كانت القاعدة الشعبية أيضا رافضة لهم؟. لكن هذا الأمر لا يؤثر على غبائهم الواضح في تحديد أهدافهم، فاستهداف فئة من أهالي سيناء لن تجلب لهم إلا العداء الصريح من قبل الأهالي، والمزيد من العمليات العسكرية المنظمة ضدهم، وأن مشهد نزوح الأقباط من العريش لن يتكرر في كل مرة.
في سياق آخر، يعتبر الإرهابيون أن الصوفيين “كفار” وبالتالي فقتلهم حلال، ويظلون فقط في انتظار اللحظة المناسبة لهم التي يمكن فيها استغلال سفك دمائهم، ليحققوا أكبر فائدة ممكنة. يؤكد هذا تصريحات من سُمي بـ”أمير الحسبة” في ولاية سيناء في ديسمبر 2016، حيث نشرت مجلة النبأ الداعشية، حوارا له قائلا: “أتباع الطريقة الجريرية يقدسون الأضرحة، ويقرأون كلامًا يحتوى على ألفاظ شركية، مثل الاستغاثة بالنبى وطلب الشفاعة”، مضيفا أن الصوفيين يعتبرون عندهم كفارا ومشركين، وتابع : “لن نسمح بوجود زواياكم في سيناء”.
ولا تُخفي الجماعات التكفيرية وحتى السلفية البعيدة عن حمل السلاح، عداءها وكرهها للجماعات الصوفية؛ وفي تصريح لموقع إعلام دوت أورج صرح شاهد عيان من بئر العبد أن المسجد تلقى تهديدا العام الماضي، ما يؤكد أن المسجد ومصليه عرضة للعمليات الإرهابية منذ نحو العام.
مولد النبي
هنا نأتي للتوقيت وسببه وأهميته؛ فمن ناحية عودتنا الجماعات الإرهابية على أن تُنفذ مخططاتها في المناسبات الوطنية أو الدينية المختلفة، وبالتالي فيمكن لنا الربط بين توقيت هذا الهجوم والاحتفال بذكرى المولد النبوي يوم الخميس القادم، الذي تُنظم خلاله الطرق الصوفية مسيرات في محبة النبي، والحادث هو رسالة إرهاب لهم لمنع هذه المسيرات، وفرض وجهة نظرهم بالقوة والتخويف، بالإضافة إلى إشعار قوى الأمن والمجتمع بأن الأمن المنشود بعيد المنال.
الحادث يعني أنه لا يمكن مخاطبة الجماعات الإرهابية على أي نحو لإقناعهم أنهم الخاسرون بشكل قاطع من هذه الأعمال، بشكل سياسي وعسكري بالطبع وليس ديني وفكري فقط، فلن تتوقف العمليات العسكرية ضد دواعش العصر الحالي، ولن تُزيد هذه الأعمال المجتمع إلا تأكد من أن سقوطهم في جميع الدول العربية أمر حتمي، وأن القادم بالنسبة لهم لن يكون أفضل على أي حال من السابق.