كريم فرغلي
“خليهم يلبسوا”.. “أهم هيلغوا حفل الختام”.. “المفاجآت باظت”.. عينة بسيطة من أطنان التعليقات الشامته التي انطلقت على طريقة “أبلة ظاظا” قريبة رجاء الجداوي في المسرحية الشهيرة “الواد سيد الشغال”، متمنين بإخلاص أن يؤثر حادث العريش المؤسف على مهرجان القاهرة السينمائي، ويُسفر عن إلغاء حفل الختام أو عدم حضور النجوم العالميين يومها، ليس هذا هو أعجب ما في الأمر بالنسبة لي.. الأعجب في رأيي هو تلك الرغبة المخلصة في إفشال المهرجان.. لا أنوي تقديم دروس في الوطنية، وأرفض أن أزايد في الوقت نفسه متهمًا كل من يتحدث عن سلبية بعدم الانتماء للبلد ولمهرجانها السينمائي الأعرق والأهم.. لكن الأمر الذي يصيبني بالدهشة بالفعل هو اختصار المهرجان من قبل المهاجمين في حفل الافتتاح، وكأن المهرجان عبارة عن سجادة حمراء تتسابق فوقها مجموعة من أحدث فساتين السهرة.. حفل الافتتاح مهم ولا شك.. فهو واجهة وعامل جذب.. لكنه في أي مهرجان ليس أكثر من “كرافته”.. هذا العام يعرض مهرجان القاهرة السينمائي 175 في سينمات الأوبرا والزمالك، ووسط البلد، عرس سينمائي هائل، وممتع قدمت إليه الأفلام من 53 دولة حول العالم، إنه الغرض الحقيقي والأهم من إقامة مهرجان سينمائي.. الافتتاح ياسادة ليس أكثر من “برومو” تشويقي لفعالياته، وأفلامه ولقاءاته وندواته التي من شأنها أن تشبع شغف عشاق السينما الحقيقيين أكثر بكثير من متابعي الموضة وهواة المقارنة بين فساتين الفنانات العابرات إلى المسرح يومها.. فلنقارن.. لامانع.. لكن ليس من الإنصاف أن نختزل.. أن نهاجم أخطاء عابرة باذلين كل الجهود الممكنة لتضخيمها والتدليل بها على الإخفاق في كل شيء.. إنها أسطوانة بائسة أتساءل هل سيرددها صاحبها بنفس الحماس إذا ما وصلته دعوة إلى حفل الافتتاح أو أوتي داخل صالته مكانًا أقرب للنجوم، أو وُكل إليه دور إداري أو فني ما؟ ليس طعنًا في أحد.. أو تفتيشًا في النوايا.. لكن الأهم.. بل والأهم جدا في رأيي هو امتلاء كافة عروض الأفلام المقامة عن آخرها حتى هذه اللحظة بكل أنواعها و جنسياتها من الجمهور، بما فيها الندوات و حلقات النقاش، هذا الشغف الحقيقي الذي يشبعه المهرجان لدى الباحثين عن سينما مختلفة، وحرصهم على مناقشتها وفهمها من قبل صناعها القادمين من عشرات الدول خصيصًا لهذا الغرض، أن أرى جمهورًا شديد التباين العمري، والاجتماعي أتاح لهم المهرجان إمكانية حضور أفلامه بـ30 جنيه فقط بخلاف توفيره كارنيهات دخول مجانية للطلاب والصحفيين.. أن أقابل واحدة من أنشط و أرقى وأرق من تعاملت معهم في الحقل السينمائي هي السيدة ماجدة واصف المتحملة لكل هذا الكم الهائل من الهجوم ببشاشة وصبر، حتى أنها علقت لي على حصار الهجوم عليها قائلة بترفع غير مصطنع: بسيطة.. ما لم يختلف كثيرًا عن تعليق أساتذتنا الكبار الذين يشرف أي مهرجان من انضمامهم إليه على رأسهم أستاذنا الكبير يوسف شريف رزق الله، ومجدي الطيب والزملاء النشطين أندرو محسن، ورامي عبد الرازق، وغيرهما، لكن يبدو أن رغبات الهدم لن تكترث لكل ذلك ياصديقي.. كما لن تغفر خطأ أو تصفح عنه مهما حدث.. لأن الرغبة الحقة هي الهدم الكامل وليس التقويم.. لقد غضب هاني أبو أسعد من عدم مناسبة تقنيات عرض فيلمه يوم الافتتاح وله كل الحق.. لكن الصورة لا بد أن تكتمل.. في اليوم التالي اعتذرت له إدارة المهرجان رسميًا وعلى الملأ على لسان رئيسته الشرفية النجمة الكبيرة يسرا، ورئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية النجم القدير حسين فهمي، قبل إعادة عرض الفيلم في واحدة من أفخم دور السينما في القاهرة، التي تزينت بالسجادة الحمراء لاستقبال المخرج الكبير الذي تقبل الاعتذار واستكمل مناقشة فيلمه لكن يبدو أن عشاق الهدم سائرون على دربهم مهما حدث..