على خلفيات سياسية ناقش فيلم موسم في فرنسا ” A Season in France” المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التاسع و الثلاثين مشكلة الهجرة التي يواجهها عدد كبير من البشر إثر تعرض بلدانهم لاضطرابات سياسية و حروب أهلية تسفر عن تهجيرهم، وشتاتهم عبر دول العالم ، لكن تبقى السينما سينما .. إذ تظل منتجا لا بد أن يتحيز للإنسان، والإنسانية، وهو ما حققه الفيلم الفرنسي الذي يدور حول معاناة لاجئ إفريقي يدعى “عباس مهاجير” يضطر للهجرة إلى باريس بصحبة أولاده بسبب ما يدور في إفريقيا الوسطى مسقط رأسه، يسعى للحصول على أوارق رسمية تسمح له بالإقامة في فرنسا بشكل شرعي لكن طلبه يقابل بالرفض و يتم إنذاره بضرورة مغادرة فرنسا خلال شهر، وأن يوقع أسبوعيا لدى قسم الشرطة.
تحاول كارول حبيبته أن تساعده بأكثر من وسيلة، إلا أن مطاردات الشرطة، وبقاء عباس بدون مأوى أو عمل يضاعف إحباطه ويدفعه للاختفاء تاركا لكارول رسالة يعبر من خلالها عن رفضه لأن يكون مصدر متاعب بالنسبة لها خاصة بعد أن سألتها الشرطة عنه قبل أن تحذرها من أن التستر على مقيم غير شرعي يستدعي السجن 5 سنوات، و غرامة قدرها 30 ألف يورو.
استطاع المخرج محمد صالح هارون تجسيد تفاصيل مشاعر، ومعاناة اللاجئين في اوروبا كونه هو شخصيا واحد من المهاجرين التشاديين المقيمين في فرنسا، وهو ما أفاد في تقديمه لعدد من المشاهد المؤثرة مثل مشهد انتظار اللاجئين لقرار المحكمة وكيف ينتظر هؤلاء ذلك القرار المصيري الذي سيحدد إمكانية بقائهم في فرنسا أو ضرورة مغادرتهم لها عائدين إلى مصائرهم المجهولة، و بلدانهم الغارقة في الاضطرابات السياسية التي حاصرتهم بالفقر، والعوز، والتشرد .
دراما متوازية ومؤثرة قدمها الفيلم أيضا عن صديقه إليان بعد رفض طلبه الخاص باللجوء السياسي هو الآخر، وتدمير مكان عمله ما يحاصره بالإحباط و يشعره بالقهر حتى إنه يعجز جنسيًا مما يدفعه لإضرام النار في نفسه قبل أن يموت متأثرا بحروقه بعد أيام قليلة .
بشكل جيد تم تضفير الدراما في موضوع الفيلم وهو الهجرة حيث يفقد عباس عمله إثر ثورة غضب تنتابه بسبب رفض طلبه للجوء مما يدفعه لتحطيم صناديق الخضار و الفاكهة التي يقوم بنقلها مما يدفع صاحبة العمل لطرده، ويفقده بالتالي القدرة على دفع إيجار المنزل وملاحقة صاحبه بمطالبات الإيجار قبل أن يطرده هو الآخر.
عباس المحاصر بالإحباط الذي يدفعه للبكاء في أكثر من مشهد نرى حياته العاطفية والأسرية مع أبنائه التي تقربنا منه إنسانيا مما يشحن تعاطف المشاهد نحو إنسان كل ما يبحث عنه هو أبسط حقوق الحياة المتمثلة في سكن، وعمل يسمح له بتعليم أولاده، واستيفاء احتياجاتهم بخلاف قسوة الشعور بأن المرء غير مرغوب فيه وهى الجملة المؤثرة التي اختتم بها البطل آخر مشاهد الفيلم .