وجدتني في الفترة الأخيرة أنصح شباب العائلة بألا يتسرع في مشروع الزواج، أنصحه بالتركيز في إنهاء دراسته وتنمية مواهبه وممارسة هواياته، أنصحه بالتركيز في تحقيق ذاته وبناء مستقبله المهني، أنصحه بالسفر حول العالم، وتعلم لغات واكتساب مهارات جديدة، فلقد أصبح عندي وللأسف ما يكفي لتقديم نصيحة “الإضراب عن الزواج” لشباب في سن الزواج، حالة طلاق لعزيز في عائلتي، حالات انفصال وشجار لا ينقطع في دائرة الأصدقاء والمعارف، حالات شتات وانهيار شديدة التعقيد في ملايين الأسر؛ تعرضها باستمرار وسائل الإعلام، أسر لا تكف الصراخ من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبالأخص قانون الرؤية، وكالعادة تثور تكتلات النساء المطلقات ضد كل المقترحات الجديدة التي تحاول أن تصل بالأمور لحل وسط، وتجد موجة من برامج التوك شو التي تستضيف نماذج من تلك المطلقات ليعرضن اعتراضهن، دون إعطاء الفرصة للرجل المطلق لعرض مأساته واعتراضه على القانون الحالي، آخرها برنامج “كل يوم” تقديم الإعلامي عمرو أديب، إذ استضاف عددا ضخما من المطلقات يشكين ظلم أزواجهن السابقين ولا نعلم مدى صدق رواياتهن أو على الأقل مدى تسببهن في الوصول لقرار الطلاق!
قبل أن يضعني كل طرف في الجبهة المعادية لجبهته، أو يظن بي قاصرو الرأي والنظر، أن كوني أنثى فسآخذ جانب الأنثى، فلابد من التأكيد على قاعدة عدم التعميم، فليس كل الرجال شياطين وليست كل النساء ملائكة، فلو وُجِدَ الرجل الذي يطرد زوجته من بيتها بملابس النوم ويحرمها أولادها وحقوقها، هناك أيضاً رجال يصبرون على إيذاء وإهمال الزوجة، وتقصيرها في واجباتها من أجل عدم هدم البيت، وكما يوجد زوجات صابرات يذهبن مع أزواجهن إلى آخر العالم ويتحملن ظروفه، تجد زوجة نذلة، مادية، فارغة العين، تفضل شوية “هلاهيل” على حياتها الأسرية واستقرار أطفالها، ستجد زوجا ينفِّر زوجته ويؤذيها بالغ الإيذاء بالقول والفعل لتطلب الطلاق وتتنازل عن حقوقها، ولكنها تدعس على كرامتها من أجل ألا يتأثر أولادها بقرار الانفصال أو الطلاق، ستجد زوجة تتحمَّل زوجا خائنا أو مدمنا أو مرتشيا أو يجمع كل مظاهر الانحراف الأخلاقي، لأنها تراه “طيبا” في أمر ما، وستجد زوجة غبية، من أجل أتفه الخلافات الزوجية تصمم على الطلاق وتأتي بشهود زور لإثبات الضرر، ستجد أبا يمنع النفقة عن أولاده ولا يُطالب برؤيتهم، وستجد آباء يتمنون أن تُخلع لهم عين ويرون أطفالهم، ستجد زوجة هي وتمثال الشمع سواء، تعيش داخل “بوتقة” والديها، تتحجج للزوج حججا واهية وتحيل حياته جحيما لدفعه لتطليقها وكسب حقوق ليست بحقوقها، وإن لم يستجب تستأسد وتستهل هي رحلة محاضر الأقسام وجلسات المحاكم وجولات المحامين.
قدم حزب الوفد للبرلمان المصري في منتصف شهر مارس الماضي مسودة نهائية لمشروع قانون الأحوال الشخصية، تحوي مقترحات ثمينة في أحكام الطلاق وضوابط وقوعه، توثيق الطلاق الرجعي، ومدته، وعقوبة التراخي فيه، تحديد النفقات بنسبة 25% من صافي الدخل، إنشاء نظام تأميني لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير النفقة والسجن ثلاثين يوما في حالة الامتناع عن السداد، حق الزوجة في طلب الطلاق من زوجها إذا تزوج عليها، وبالطبع مقترحات شديدة القيمة في قانون الرؤية الذي يعد وسيلة قانونية تستفيد بها الزوجة المستغلة لتعذيب الأب المحروم من أولاده، والذي لا يواكب على الإطلاق كافة التطورات الزمنية، مما يولد مزيدا من الاضطرابات الاجتماعية، ومشروع قانون الرؤية يقضي بـ :
خمس ساعات أسبوعيا (بدل من ساعتين)، انتقال الحضانة بعد بلوغ 9 سنوات ( بدل من 15 سنة)، انتقال الحضانة للطرف الثاني حال وفاة أحد الأبوين، الحبس عام للممتنع عن توثيق الطلاق، تغيير كلمة “استضافة” لكلمة “اصطحاب” وأنها الأفضل من الناحية النفسية وربط الاصطحاب بالتزام الزوج بالنفقة، وضوابط تضمن عودة الطفل للأم.
قانون الرؤية يُرَخَّص فيه للأب فقط رؤية أطفاله، أما الأجداد والأعمام والعمَّات فليس لهم الحق في الرؤية، مكان الرؤية في النوادي والحدائق العامة في يوم من الأسبوع كأنه يوم لزيارة المساجين، حالة من الهرج والمرج والمشاحنات بين المطلقين أمام أعين براعم تترسخ في عقولها أسوأ ذكريات للطفولة، أو تعسف من الزوجة في تنفيذ حق الرؤية، أو إهمال من قبل أب يرفع قضية رؤية ثم لا يأتي لرؤية أطفاله، إذا تزوجت الأم فإن الحضانة تنتقل إلى “أم الأم”، هل هكذا اُنْتُزِعَت الحضانة من الأم؟!
من ضمن المأساة التي يسبح فيها قانون الرؤية الحالي؛ أن الطفل عند إتمامه خمسة عشر عاما سيقف في المحكمة أمام القاضي ليُخَيَّر بين إكمال العيش مع أمه، أم الانتقال للعيش مع أبيه! “هااه يا حبيبي هل تريد إكمال العيش مع ماما اللي ضحت بنفسها وحياتها علشانك؟ ولَّا تروح لبابا الفك المفترس اللي رماك في الشارع وماكانش بيصرف عليك، وراح اتجوز طنط أم رجل مسلوخة اللي هتكويك بالسكينة المحمية؟!” متى كان الصغير له حق الاختيار؟!.. لم يختر والديه المتصارعين، لم يكن له الاختيار في إرغامهما على مجابهة المشاكل من أجل أن تُبحر مركب الأسرة، لم يكن له اختيار الموافقة على قرار الطلاق أو رفضه، بعد كل هذا الجبر والقهر كيف يكون له الآن حق اختيار حياة جديدة تختلف عن تلك التي اعتادها، أو حياة غامضة مخيفة رسمتها له الأم بزرع الكراهية والبغض والعداء لأبيه؟، هل يُتوقع بعد ذلك أن الطفل سيختار والده بمنتهى السهولة؟! أنا لو مسؤولة أضم هؤلاء الأطفال في مدارس داخلية يشرف عليها مختصون في علم النفس والاجتماع وأمهر المعلمين ليقوموا مقام الأم والأب المعاقين في تنشئتهم في بيئة صحية تقيهم كم الاضطرابات والتشوه النفسي الذي يشترك فيه كل من الأم والأب جرَّاء سوء اختيار كل منهم للآخر.
من مشاهدات كثيرة في حالات الطلاق؛ فستجد على الدوام طرفا يتغاضى عن أخطاء الطرف الآخر ويقدم تنازلات لا حصر لها ويتسامح مرارا وتكرارا، على أمل التأقلم والانسجام في يوم من الأيام، لكن وللأسف فغالبا ما يكون الطرف الثاني نمرودا، على قدر من الجحود والطغيان، لا يفهم محاولات الطرف الآخر المستمرة للتغيير والتأقلم والتعايش، أو على الأقل تغاضيه المستمر عن الأخطاء، وغالبا ما ينتهي الزواج بسمعة سيئة وسيرة على كل لسان، ولا اعتبار لعيش وملح كان بينهما في يوم من الأيام، أو اعتبار لأطفال ستظل بينهما مدى الحياة! متى سيفيق الآباء والأمهات المطلقون ويتفقون على حل المشاكل بالود والتفاهم والتراضي؟ كل الشواهد تدل أن الوضع يزداد في التعقيد وأن الوالدين اتفقا على أن يجعلا من أطفالهما أسرى حرب أشعلوها عن غير قصد بإقدامهما على الزواج دون استعداد وتأهل كافٍ، أو بقصد عندما تطغى على إنسانيتهم سمات الأنانية وحب الذات.
لو كنت في موقع مسؤولية لاقترحت قانونا يلزم حديثي الزواج بالامتناع عن الحمل حتى نهاية السنة الأولى من الزواج، خاصة أن أكبر نسب الطلاق تقع في السنة الأولى من الزواج، وبعد فترة خطوبة معقولة، ففترة الخطوبة ليس لها فائدة الآن سوى اختيار الفرش والعفش، ولكنها من المفترض أنها فترة دراسة واختبار، تكفل قدرا معقولا من التعرف والمعرفة؛ كل طرف للآخر، ولكن اكتسبت تلك الفترة سمعة سيئة لكثرة وقوع الطلاق، خاصة إذا ما طالت وامتدت تلك الفترة لسنوات، فيقولون إنها لا تكشف عيوب كل طرف، وفيها يتجمَّل كل جانب ويُظهر عكس حقيقته وينجح في إخفاء عيوبه، ولكن هذا اعتقاد خاطئ فمهما بلغت براعة التمثيل فلابد للشخص المؤهل للزواج بحق أن يكون على قدر من الفطنة والذكاء يستنتج من خلالها خصال الطرف الآخر في كل موقف يجمع بينهما، فتكتشف الخطيبة إذا ما كان الخطيب أنانيا أو بخيلا أو متسلطا، ويتأكد الخطيب إذا ما كانت خطيبته تدرك تماما معنى الحياة الزوجية ومشاركة الزوج مصاعب الحياة، ولكن ما يحدث عكس ذلك تماما، فإما أن يكون الطرفان أو أحدهما غير مؤهل بعد لتكوين أسرة وتحمل المسؤولية، أو أن يعلم تماما أحد الطرفين أو كلاهما عيوب الطرف الآخر ولكن مع ذلك يُصر على إكمال العلاقة لأن “الحب أعمى” والأيام والعشرة كفيلة بالتغيير، أو من باب عدم الفشل وخاصة إذا ما كان لهما سوابق فسخ خطوبة أو خشية فوات قطار الزواج، أو أن أسرة الخطيبة تعلم أن ابنتها ناقصة أهلية ولديها من العقد النفسية ما يمنعها من العيش مع زوج، أو أسرة ترى عيبا وفضيحة في تتابع فسخ الخطوبات فيرغمون البنت على إتمام الزواج غير مبالين أن الفضيحة ستكون مأساة عندما تعود لهم ابنتهم مطلقة وتحمل على ذراعها طفلا أو أكثر، فطالما القوانين سقيمة وعقول الناس قاصرة وضمائرهم ميتة وأنانيتهم ستتحكم في مصير ملائكة تأتي للدنيا لتتعذب؛ إذا ليتم الإضراب عن الزواج والحمل حتى يعي الناس جرم صنيعهم.