فاتن الوكيل
الدخول إلى عالم المصور فان ليو له سحره الخاص، تُبهرني طريقته في استخدام “الظل والنور” في تصوير البورتريه. عشرات بل مئات الصور يلتقطها الفنانون أملا في الظهور بصورة جميلة تجذب معجبيهم، لكن بين كل تلك الصور، هناك صورة أو أكثر يجب أن تستوقفك كثيرا، ما هذا النقاء، الخلفية البسيطة للتركيز على العناصر الأخرى، الملامح الصافية الواضحة بشدة، لماذا نظرة هذه الفنانة في تلك الصورة مختلفة عن نظراتها في باقي الصور؟، لماذا يظهر هذا الفنان أكثر وسامة في هذه الصورة؟. أسئلة كثيرة تراودك بمجرد أن ترى الصور التي التقطها الفنان المصور المصري الأرمني “فان ليو”، الذي ولد عام 1921 وتوفى في 2002.
400 صورة التقطها فان ليو لنفسه، للوهلة الأولى تشعر أن هذه الصور حديثة، ما يؤكد ذلك العديد من الأفكار “المجنونة” والجميلة التي طبقها “ليو” لتصوير نفسه، فمرة يظهر بلحية كثيفة ونظارة شمسية، وفي أخرى تشعر أنه شخص آخر، حليق الرأس تماما، يرسم على وجهه ملامح قاسية وكأنه أحد رجال المافيا، وفي مجموعة ثانية يرتدي ليو ملابس نسائية ويضع مساحيق التجميل وعلى وجهه ترتسم ابتسامة مشاغبة.
استطاع أن يُحول التقاط الصور الفوتوغرافية إلى فن حقيقي، يتحكم في تكوين الصور كما يشاء، صوره تشبه أفلام يوسف شاهين، فلا فيلم قصته تُشبه الأخرى لكن بمجرد أن يبدأ الفيلم، تعرف أنه من إخراجه، تتعلق أرواح الأشياء بصانعيها، فهي ليست جمادات كما نظن، لكنها فنونا تبقى ما بقيت الذاكرة حافظة لهذا التراث القيم النادر.
وفي فعالية نظمها مركز “سيماتك” بوسط البلد، بالاشتراك مع مكتبة الصور النادرة بالجامعة الأمريكية، أفتتح أمس الأحد معرض صور لفان ليو أعقبه عرض فيلم قصير وصامت، جمع الأفلام المصورة التي التقطها ليو في الأربعينيات لأسرته ولشقيقه وبعض أصدقائه، وحضرت علا سيف مسؤول التراث الفوتوغرافي بمكتبة الجامعة، لتشرح لزوار المعرض تفاصيل الصور ولماذا تم اختيار المعروضات على وجه التحديد، وذلك لأنها صور التقطها ليو لنفسه، بالإضافة إلى أن كل مجموعة منها تعتبر عن حالة ما، فكانت مناسبة تماما للعرض، بينما شرحت محتويات لقطات الفيديو التي ظهر فيها شقيقه “أنجلو” بالإضافة إلى لقطات لساحة “باتيناج”، وغيرها في حمام سباحة أو رحلة نيلية.
ليو بويادجين المعروف باسم فان ليو وشقيقه أنجلو افتتحا إستوديو تصوير في وسط البلد، وبقى “ليو” في الإستوديو الأصلي بينما انفصل أنجلو وافتتح آخر خاص به، لكنه سافر إلى فرنسا بعد ذلك. ومن خلال المراسلات مع شقيقه كان دائما ما يُظهر ندمه على ترك مصر، حيث كان معروفا لدى المصريين بينما شعر أنه مجرد موظف في فرنسا لا يعرفه أحد، وهو موقف معاكس لفان ليو، الذي كان يعبر عن رغبته في السفر من مصر.
كان “ليو” يصور الآلاف من سكان القاهرة من مصريين، مغتربين وجنود من فترة ما بين الحرب الاستعمارية. وهو متخصص في البورتريه الأبيض والأسود وكان يصور خاصةً للمشاهير. كما كان يُنتج صورا ملونة يدوياً لكن عند الطلب.
قبل وفاته في عام 2002، أورث فان ليو كل ما لديه في الإستوديو إلى مكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة للكتب النادرة والمقتنيات الخاصة، وقام هذا المعرض بعرض مواد نادرة من أرشيف فان ليو الشخصي، مثل الأفلام المنزلية المصورة بوسيط الـ 16مم. وسيستمر المعرض حتى 10 ديسمبر، والعديد من الصور الشخصية التي التقطها لنفسه.