لا أحد ينسى فيلم “جميلة”، الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1958، ولعبت فيه الفنانة ماجدة دور البطلة الجزائرية جميلة بوحيرد، والذي تناول الاحتلال الفرنسي للجزائر وما حدث لشعبها من مجازر ومعاملة وحشية، مسلطا الضوء على المقاومة الشعبية التي قام بها أحرار الجزائر لمواجهة ذلك العدو الغاشم وقتها.
لم تغب صورة هذا الفيلم عن ذهني طوال مشاهدتي للفيلم الكويتي “سرب الحمام” الذي يشارك بالدورة 39 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ضمن مسابقة “آفاق عربية”.. فالفيلم الكويتي مستوحى من مجموعة من القصص الواقعية التي حدثت إبان الغزو العراقي للكويت، وما وقع على المواطنين الكويتيين من بطش وتنكيل وقتل من القوات العراقية.
فالفيلم يحكي عن مجموعة من الشباب يقودهم الفنان داوود حسين -الذي يقوم بدور رجل كويتي في منتصف عمره- لحماية منزلهم وعدم تركه للقوات العراقية التي أخذت الأوامر بقتل أي كويتي، وتحاول تلك المجموعة من الشباب خلال الفيلم التصدي للقوات العراقية التي علمت بتواجدهم، وقررت إبادتهم فقط لأنهم كويتيون، وبالفعل تتمكن من ذلك لكن بعدما يضرب هؤلاء الشباب مثلا في الفداء والولاء لتراب وطنهم.
فكرة الفيلم كانت جيدة والسيناريو كان متميزا، وبه قدر كاف من الرسائل الإنسانية التي تدعو إلى الاعتزاز بالوطن والتضحية من أجله، والدعوة إلى السلام والرحمة والتسامح، وقد ساعد على توصيل تلك الرسائل بشكل رائع أداء متميز من الفنانيين المشاركين في العمل، وقدرتهم على إبكاء الجهور في بعض المشاهد، إلا أن المعالجة الدرامية وطريقة الإخراج قد شابها بعض القصور جعل العمل يخرج بأقل مما هو متوقع.
فلم يبرز الفيلم المعاناة التي عاشها مواطنو الكويت بشكل كاف، كما أن المخرج رمضان خسروه، لم يستطع أن يضبط إيقاع بعض المشاهد، ففي الوقت الذي قررت فيه القوة العراقية نسف المنزل بالدبابات والأسلحة الثقيلة، كان هناك حوار هادئ ولوقت طويل بين قاطني هذا المنزل، ونقاش وجدال في وقت من المفترض أن تكون فيه وتيرة الأحداث أكثر سخونة وسرعة، كذلك عزل المشاهد عن العالم الخارجي وما يحدث في مناطق أخرى من الكويت.
“خسروه” رأي أنه يقدم عملا إنسانيا أكثر من كونه تاريخيا أو توثيقيا لمرحلة من أهم المراحل التي مرت بالكويت، لذا قرر عدم إبراز أي قرارات سياسية، أو معارك حربية أو حتي مشاهد خارج حدود المنزل، لكن لو تذكرنا فيلم “جميلة”، فهو فيلم يناقش قضية إنسانية بامتياز، وبه عدد كبير من المشاهد المفعمة بالحب والوفاء والتضحية، لكن يوسف شاهين لم يغفل الخلفية التاريخية للفيلم، ولم يعزل المشاهد عما يجري في باقي أرجاء الجزائر، كذلك الاستناد إلى بعض المشاهد الحربية التي تشعر المشاهد بوجود حرب حقيقية داخل هذا الوطن، وهو ما غفل عنه صناع الفيلم الكويتي.
“سرب الحمام” شمل العديد من المفاجآت وعلى رأسها داوود حسين، الذي اعتقد أن هذا العمل هو اكتشاف وانطلاقة جديدة له في عالم الدراما والأدوار التراجيدية، كذلك الفنان الشاب بشار الشطي، والذي أتوقع أن يكون أحد أبرز ممثلي الآكشن في السينما العربية خلال سنوات. يبقى “سرب الحمام” مجرد محاولة من السينما الكويتية للتحليق لكنها ضلت طريقها..