تعتبر الكلمات الغنائية هي نقطة القوة لأي عمل فني، خصوصاً اذا كان صاحبة مطرب أو فرقة ناشئة، تأمل في فرصة أكبر للوصول للجمهور بسهولة، بتعبير وافي أو جيد عن مشاعره، بلغة تشبه التي يتحدث بها إلى نفسه، فمستمع الموسيقى فقط معروف وغير شائع، ويدرك وجهته جيداً، اما جذب الجمهور العام وتحويله إلى متذوق للموسيقى وكمقتنع بها كتعبير عن أفكاره ووجدانه، فليست مهمة بسيطة أو طبيعية.
نرشح لك: منح نادية لطفي درجة الدكتوراه الفخرية
اقتنع محمد فؤاد عازف البيانو وأحمد منيب عازف الكمان بأنفسهم أولاً، واقنعوا الجمهور بهم، فأصبح لهم كيانهم الخاص “فؤاد ومنيب”،ووقفوا على أكبر مسارح الإسكندرية والقاهرة، وأصبح لهم ولإنتاجهم جمهور حاشد، يدرك ويتذوق ويُقدر فنهم.
حاور إعلام دوت أورج فؤاد ومنيب، عن فنهم وبداياتهم وأحلامهم المستقبلية، وفيما يلي أبرز ما تضمنه الحوار.
(1)
حفل الفنان محمد فؤاد مع ضيف الحفل أحمد منيب
يحكي “فؤاد” أن البداية كانت عام 2014، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعود تسجيل موسيقاه بالإمكانيات المتاحة من منزله، ونشرها، وتكرر تفاعل “منيب” معه عدة مرات، وإبداء إعجابه بما يقدمه، مما دفعه لاستطلاع حسابه الشخصي ليجده موسيقي محترف بألمانيا، فزاده ذلك شعور بالانبهار والفخر، وحاول التواصل معه، ليشاركه حلمه، وعرض عليه “ما تيجي نعزف مع بعض؟”.
يستكمل “منيب” أن “فؤاد” قد فاجئه بكونه غير دارس للموسيقى بشكل أكاديمي، لكنه رأى فيما يقدمه موسيقى عالمية، لا تُقدم بشكل كبير داخل مصر، لذلك وافق على اقتراحه بالعزف المشترك على الرغم من أنه مقيم بألمانيا، و”فؤاد” بمصر، لكنهم خاضوا التجربة، فبدأ “فؤاد” بإرسالة مقطوعاته مسجلة ليضيف عليها “منيب” عزف الكمان، ويعلق “فؤاد” على بداية التجربة “أنا أسعدني أخيراً أن مزيكتي هتطلع بالشكل اللي انا عايزه، منيب لمس مزيكتي بإحساسه”.
كان اللقاء الأول في نهاية عام 2014، بعد مجئ “منيب” في أجازة من ألمانيا، واستغل “فؤاد” الفرصة وقام بحجز مسرح مركز الإبداع بالإسكندرية، تردد “منيب” في الإقدام على الخطوة، لكن “فؤاد” امتلك يقين قوي، اقنع به رفيقه، وطلب منه العزف حتى كضيف في الحفلة، وبالفعل كان عنوانها “حفل الفنان محمد فؤاد مع ضيف الحفل أحمد منيب”.
استمرت التحضيرات أربعة أيام قبل الحفل، كانوا هم أيضاً عمر صداقتهم الفعلية على أرض الواقع، حضر الحفل حوالي 100 شخص، يؤكد “فؤاد” دائماً على عدم اهتمامه بالكم في مقابل الكيف، فقد كان رد الفعل مبهر، ويتابع “كانت لحظة ساحرة، وأنا بعزف مع واحد أول مرة أشوفه”، كما شكّلت تلك الخطوة حافذ لـ”منيب” حتى يستمر، وظهر الكيان “فؤاد ومنيب”.
(2)
فؤاد
اسمي محمد فؤاد، خريج طب بشري، عمري الآن 26 سنة، لا أذكر تحديداً كيف بدأت رحلتي مع الموسيقى “مش فاكر أصلاً وقت في حياتي ماكانش فيه مزيكا”، لكن يمكن اعتبار اللحظة التي اندفعت فيها إلى “الأورج” خلال حصة الموسيقى بالحضانة، وعزفت لحن أغنية “ذهب الليل” دون أن يعلمها لي أحد معتقداً أنه تصرف طبيعي، حتى انبهرت معلمتي وأخبرتني أني أملك موهبة استثنائية، دفعتني إلى إخبار والدىّ بالمنزل “اني فنان كبير” كما اخبرتني المعلمة.
على مدى سنوات من الحضانة إلى الكلية لم أفعل شئ سوى الموسيقى، قلدت الموسيقى التصويرية للأفلام وألحان الأغاني، أدركتها وفهمتها جيداً دون معرفة أي تفاصيل أكاديمية، حتى أصبحت قادر على تطويرها وتأليف أعمالي الخاصة، لم أحلم بالشهرة بقدر ما تمنيت أن يسمع الناس إنتاجي لأنه يستحق.
لم يدعمني أحد عندما خرجت من إطار الهاوي إلى المحترف حتى أسرتي، وأصررت على تقديم موسيقتي الخاصة، فلم أتحمس للعمل كعازف بأي فرقة، أو إعادة تقديم الألحان الشهيرة، لي تجربة مع صديق عازف على آلة “تشيللو” لكنه يأس سريعاً من عدم إقبال الجمهور، وأغرته تجارب عزف الموسيقى المعروفة، نظراً لأنها جذبت آلالاف المشاهدات عندما عرضنها، فكانت النهاية معه، وعدت للعزف المنفرد والتسجيل من غرفتي بأقل الإمكانيات، كما أقمت بعض الحفلات الصغيرة، إلى أن قادتني الصدفة للقاء “منيب”.
بعد أول حفلة كنت على يقين تام أن الحفلات القادمة ستأتي بأعداد أكبر، وأن الأحلام كلها على وشك التحقق، وقد كان وشهدنا الانفراجة بعد الحفلة الثانية لنا والأولى بمكتبة الإسكندرية، تلاها نجاحات متعددة، أكبرها الوقوف على المسرح الكبير بقاعة المؤتمرات، تعودت أن أروي للجمهور في كل حفلة دخولي له طفلاً، عندما أخبرني صديق أن “بيانو عمر خيرت” موجود على المسرح فتسللت للعب عليه حتى طردني الأمن، لكنها كانت أكثر لحظات حياتي إنتشاءً، وبوقوفي عليه كعازف تحققت أكبر طموحاتي.
(3)
فؤاد ومنيب
يروي “منيب” عن اختيار الاسم “أنا ببساطة فكرت إننا نقدم نفسنا للناس بأسمائنا من غير ما نحاول نعمل فرقة كذا أو أي حاجة”، وكان ذلك الاسم الفني للكيان هو عنوانهم، لحفلتهم الثانية، والتي اتفق كلاهما على أنها نقطة الانطلاقة الحقيقية لهم، حيث تواصل “فؤاد” مع الموسيقار “هشام جبر” مدير مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية وقتها، وتحمس بشدة على الرغم من أنه لم يرى سوى تسجيلات بسيطة لهم، لكنه ساعدهم وتم حجز أول حفلة لهم بالمكتبة على المسرح الصغير في مارس 2016.
اتفق كلا العازفين أن أصعب موقف مر عليهم وما يمكن اعتباره تحدي، كان خبر سئ وصل “منيب” هدد الحفل بالإلغاء، لكن بالتزامن معه وصلهم خبر بيع التذاكر بأكملها، حيث أنه في ذلك الوقت كانت قد انتشرت فيديوهات حفلتهم الأولى وبدأ الناس في الالتفات لهم، فصنع ذلك الخبر حافذ على الاستمرار، ورغم سوء الموقف إلا أن “منيب” يعتبرها أفضل حفلاته ويرى أنه أدى خلالها بشكل جيد.
وكانت تلك هي نقطة التحول في طريق “فؤاد ومنيب” تلاها الصعود من المسرح الصغير إلى المسرح الكبير بمكتبة إسكندرية – والذي يعتبراه مكانهم المفضل -، إلى القاهرة ومسارحها الرئيسية والنخبوية، والمشاركة في عدد كبير من الاحتفالات، واشتركا “فؤاد” و”منيب” في التأكيد على اعتبار الموسيقار عمر خيرت هو مثلهم الأعلى، والقائد الأول لذلك الطريق الذي تتهافت به الجماهير على سماع موسيقى فقط بدون غناء، كما اتفقوا أيضاً على أن “الكابينة” بالإسكندرية، -وهي مركز ثقافة وفنون لم يعد موجود الآن-، كان أفضل الأماكن التي شهدت تحضيراتهم للحفلات ولقاءاتهم مع فناني المدينة.
(4)
منيب
طفولتي، دراستي، عملي، كل شئ يدور حول الموسيقى، عمري 28 سنة، بالأصل من القاهرة، الحتقت بالـ”كونسرفاتوار” وعمري 7 سنوات، وحصلت منه على درجة البكارليوس، اشتركت بعدها بـ “أوركسترا القاهرة السيمفوني” لمدة ثلاث سنوات، ثم سافرت إلى ألمانيا، لعمل ماجستير في الموسيقى الكلاسيكية، وعملت خلال فترة الدراسة بأوركسترا بمدينة ميونخ بعقد صغير لمدة سنة، وذلك نظام مخصص للطلبة، وكانت تلك هي الفترة التي تعرفت بها على “فؤاد” خلال “الفيس بوك”.
انتهيت من الماجستير، وأعمل حالياً على آخر في موسيقى “الجاز”، كما أن لي مؤلفاتي الخاصة، أقدمها بحفلات تعتبر جزء من الدراسة، حيث يحضرها الجمهور، لكنها بمثابة امتحان بتقييم، بالإضافة إلى مشروع آخر لإعادة تقديم الموسيقى والأغاني الشهيرة بعزفي، ونشرها عبر صفحتي الرسمية على “الفيس بوك”، والتي وصل متابعينها لأكثر من مليون شخص.
قبل حفلتنا وفرصتنا الأولى بمكتبة الإسكندرية جائني خبر وفاة إنسانة أحببتها بألمانيا، كنت على وشك الاستسلام وإلغاء الحفل، قدّر “فؤاد” موقفي بشدة وترك لي الحرية التامة، لكن بالتزامن مع الخبر وصلنا خبر آخر ببيع كافة التذاكر، منحني النبأ حافذ للاستمرار وشعور بالتحدي، قمت بتأليف مقطوعة “أنا أقوى” لذلك هي الأقرب لقلبي.
علاقتي بآلة الكمان ليست أسطورية كما يتخيل البعض، تشبه بشكل كبير علاقة رجل وزوجته بعد عمر طويل من زواجهم، فلم يعد هناك حماس الحب وشغفه وغلب التعود على حياتهما، لكن إذا غابت عنه أو فقدها يشعر بقيمتها العظيمة في حياته، وذلك ما شعرت به عندما فقدتها في إحدى المرات داخل المترو بألمانيا “قضيت أسوأ أيام حياتي وانا متخيل أنها ضاعت”، إلى أن اتصلوا بي يخبروني أن شخص قد وجدها وسلمها إليهم.
كل ما أتمناه لـ “فؤاد ومنيب” ككيان هو أن نلقى نفس الجماهيرية التي نلقاها داخل مصر، في دول أخرى حول العالم، ونستمر في تقديم موسيقانا الخاصة.