تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتب والروائي يحيى حقي في 9 ديسمبر 1992، والذي ولد في 17 يناير 1905 في القاهرة، لأسرة لها جذور تركية، تخرج في مدرسة الحقوق السلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وعمل بالمحاماة، إلى أن تقدم لإعلان من وزارة الخارجية لاختيار أمناء للمحفوظات في القنصليات المصرية بالخارج، وتم قبوله، وبدأ عمله الدبلوماسي في عدة دول.
في عام 1942 عاد “حقي” من “إسطنبول” إلى القاهرة، راغباً في الزواج، وبالفعل تزوج من السيدة نبيلة عبد اللطيف سعودي، والتي تحكي ابنتهم “نهى” في حوار لها بجريدة “الوفد” عن موقف طريف أحاط بذلك الزواج، حيث كانت “نبيلة” أطول من “يحيى” بشكل دفعه دائماً لقول أنها قبلت الزواج منه رغم قصر قامته، وتتابع “نهى”:
نرشح لك: فؤاد ومنيب.. من “الكابينة” إلى دار الأوبرا المصرية
“في أسابيع تم تحديد موعد الفرح، لكن كانت هناك مشكلة لاحت فى الأفق، وهي كيف سيقف العريس بجوار عروسه؟ وكيف سيجلس بجوارها في “الكوشة” وفارق الطول بينهما كان واضحاً؟ المشكلة تحولت إلى أزمة، واجتمع أفراد الأسرة، الكل يفكر، وفي الوقت نفسه يضحك،وأثناء ذلك طرأت فكرة أمامهم وهى أن يأتوا بكتب ضخمة الحجم، مثل الموسوعة البريطانية، وتم وضع أكثر من كتاب موسوعي ضخم الحجم تحت كرسي العريس، ليتساوى فى طوله مع عروسه، ونجحت الفكرة”.
لم تدم الزيجة سوى عشرة أشهرت، وتوفت “نبيلة” بعد شهر من ولادة “نهى”، ووصفها “حقي” بأنها كانت “سحابة جميلة في الأفق مرت عليه”، عاش بعدها على ذكراها لمدة عشر سنوات، ثم تزوج بعدها الفنانة التشكيلية الفرنسية “جان ميرى”، والتي ترك من أجلها السلك الدبلوماسي، حيث أن القوانين منعت زواج الدبلوماسيين من الأجنبيات، وعمل مديراً لمصلحة التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة وعن تلك العلاقة حكت “نهى” في نفس اللقاء:
” فى عام 1954 تزوج من الفنانة التشكيلية الفرنسية “جان ميرى” تعرف عليها في فرنسا خلال عمله في الخارجية هناك، في ذلك الوقت كان يتردد على المراسم والمتاحف، وبعد عامين من الصداقة بينهما نقل أبي من “باريس” إلى “أنقرة” التي ظل بها مدة عامين كاملين، ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952، بعدها نُقل أبى كوزير مفوض فى ليبيا، فى تلك الفترة، كان يعيش فى صراع مع نفسه بين رغبته في الزواج من “جان” وبين مستقبله السياسي والدبلوماسي، ودار هذا الصراع بداخله، لكنه حسمه فى عام 1954 عندما قرر الاستقالة من عمله السياسى من أجل الزواج،استقال من أجل الحب”
نرشح لك: منح نادية لطفي درجة الدكتوراه الفخرية
تتابع “نهى” في وصف حياة أبيها وزوجته: “الحقيقة كانت السيدة “جان” محقة وكان أبى محقاً فى اختيارها، فهى كانت سيدة رائعة، وكان أبى كزوج حالة متفردة ومتميزة، كان عبارة عن حالة من الهدوء والتعاون والرقي كزوج معها، لذلك لم تتحمل فراقه وبعد رحيله بعام بالضبط رحلت هى الأخرى، ولقد حزنت عليها كثيراً، لأنها كانت مثل أمي التى لم أرها، بعد رحيل أبى وجدتها تقول لى: يا نهى.. أنا لا أريد البقاء على قيد الحياة، كانت تقول: يحيى مات، فلماذا ولمن أنا أعيش وبالفعل ما هي إلا شهور حتى وافتها المنية ورحلت عن دنيانا، رغم أنها كانت محبة للحياة جداً، وأذكر أنها أصيبت بمرض قاس فى حياة أبي، لكنها نجحت وتفوقت وهزمت المرض حبًا فى الحياة، بالتأكيد وجوده بجوارها بمشاعره الجارفة، وحبه الصافى، جعلها تقاوم المرض، أما بعد رحيله فهى كانت قد شعرت بدنو الأجل، وعدم الرغبة فى الحياة، وماتت بعده”.
وفي كتاب صدر لـ نهى يحيى حقي عن “الهيئة المصرية العامة للكتاب” بعنوان “رسائل يحيى حقي إلى ابنته”، قدمه الروائي العالمي نجيب محفوظ، أوردت نهى أهم مواقفها مع والدها، وأبرز ما قيل عنه ومنه، منهم نصيحة ورسالة إليها تعكس رقة وعذوبة شخصية صاحب “قنديل أم هاشم”، وهو الروائي والكاتب المُقل في إنتاجه الأدبي مقارنة بغيره من الأدباء والصحفيين تقول:
” إنني أكره وأمقت الإنسان الذي يتكلم من لسانه وليس من قلبه، يقول بلسانه شيئا ويضمر في قلبه شيئا آخر، يتحدث ولا يحس بما يقوله، إن هذا هو الرياء الاجتماعي. أنا لا أطلب منك أن تكوني فظة أو غليظة أو قليلة الذوق، ولكن على الأقل تعبرين عما تشعرين به، لا أريدك مثل هؤلاء السيدات اللاتي تجلس إحداهن على التليفون تكلم صديقتها وكل اهتمامها بتنظيف وتقليم أظافرها، وتقول لها: وحشتيني يا حبيبتي.. نفسي أشوفك.
إنه كلام فارغ ليس نابعا من شعور أو إحساس حقيقي وهذا أكرهه لأنه يغيظني وينرفزني، إنها صورة أكرهها وأرفضها، فلا بديل عن الصدق يا ابنتي فهو أفضل رأسمال للإنسان الذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين.”