نقلا عن المقال
·هل كان تعكر المزاج الاجتماعي والاقتصادي للمصريين سببًا في رواج كتب “التنمية النفسية” وطرق صناعة “التشبع الذاتي”؟
حتى لو كنت ممن ينظرون إلى “قائمة الكتب الأكثر مبيعا” نظرة فيها الكثير من الاستخفاف والتحسر على انحدار الذوق القرائي المصري العام، سبتقى قائمة الكتب الأكثر مبيعا هى المقياس الرقمي الأكثر صدقا- وربما الوحيد- على سؤال من نوعية ما الذي قرأه المصريون في عام 2017. علما بأن هذه القائمة الموصومة في أغلب الأحيان من قبل قطاع لابأس به من المثقفين باعتبارها تعلي من قيمة كتب لاتستحق ذلك أبدا، وهو قول به وجهة نظر وجيهة إلى حد كبير، فإنها ذات القائمة عادة التي تتضمن في نفس الوقت كتب قيمة بالفعل، استطاع مؤلفوها وناشروها أن يقدمونها بطريقة جذابة مكنتها من اختراق عشرات الآلاف من البيوت لتستقر بين أيدي أفراد الأسرة المصرية العادية.
من المهم هنا الإشارة إلى أن الكتاب الأكثر مبيعا له طريقتين لمعرفة إنه كذلك، الأولى: بتتبع حركة مبيعاته الرسمية في مكتبات بيع الكتب، والثاني: بتتبع حركة مبيعاته (غير الرسمية) لدى باعة الكتب المزورة، إذ أن مزوري الكتب عادة ما يلجأون إلى “ضرب” الكتب التي يتزايد عليها طلب القراء، ويحدث هذا أحيانا بشكل سريع ومباشر فور صدور كتب لبعض الكتاب الذين يتصدرون قائمة الأكثر مبيعا عادة طوال السنة (مثل أحمد خالد توفيق، وعمر طاهر، وأحمد مراد، ومحمد صادق وحسن الجندي، وإبراهيم عيسى)، كما أنه يحدث أيضا مع أي كتاب جديد تتزايد حركة مبيعاته بدرجة لافتة وتوحي بأنه سيحجز مكانا له في قائمة الأكثر مبيعا، والأكثر ربحا بالطبع للمزورين.
نرشح لك.. “لم ينجح أحد” لـ محمد فتحي ضمن الكتب الأكثر مبيعا
حسنا، بعد كل ما سبق، ماذا تقول لنا قائمة الكتب الأكثر مبيعا في 2017؟
بحسب إحصاءات اثنتين من كبرى مكتبات البيع المباشر للكتب (ألف والشروق) واللتان تستحوذان معا على 70% تقريبا من سوق بيع الكتب في مصر، فإن الرواية على عكس الانطباع السائد لم تكن على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا في 2017. صحيح أن هناك نحو أربع أو خمس روايات في قائمة الكتب العشرة الأكثر مبيعا، إلا أن الكتاب الأكثر مبيعا على مدار 11 شهرا مضت كان – بلغة كرة القدم- من القادمين من الخلف، إذ أنه الكتاب الأول لمؤلفته، وهو ليس بالعمل الروائي، كما أن المؤلفة- وهى مصرية بالطبع- تعيش برفقة أسرتها الصغيرة في كندا. وهو أمر لايخل من مفارقة في أن يكون الكتاب الأكثر مبيعا في مصر مكتوب بالأساس في كندا!
الكتاب ذو اسم لافت “سندريلا سيكريت” صادر عن دار الرواق”التي حجزت لنفسها مكانين في قائمة الكتب العشرة الأكثر مبيعا في 2017″، وغلاف بسيط وجذاب صممه كريم آدم ليس أكثر من مرآة كلاسيكية يتوسطها اسم الكتاب، والمؤلفة، وعبارة موحية “كتاب مش للبنات وبس”، اسفلها حذاء حريمي أحمر ذو كعب رفيع، وكل هذا على خلفية خضراء مشعة.
المؤلفة هى “هبة السواح”، وهذا كتابها الأول كما علمنا، وبحسب التعريف الخاص بها على غلاف الكتاب، فهى “باحثة وكاتبة ومدربة متخصصة في مجال العلاقات الأسرية وتنمية الذات”.
حصلت على شهادات معتمدة من أسماء أجنبية بارزة في هذا الشأن من بينهم “ريتشارد بولستاد” وهو أستاذ في علم النفس المعاصر، وأحد مطوري “صناعة التدريب في العالم” وله عدة كتب في هذا الشأن أشهرها “المرونة في الأوقات الصعبة”، كما أنها حصلت على شهادة مماثلة من “جون جراي” وهو كاتب أمريكي شهير متخصص في الكتابة عن العلاقة بين الرجل والمرأة، ويعرفه الجمهور المصري عبر كتابه الذي باع ملايين النسخ في العالم “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”.
مؤلفة “سندريلا سيكريت” أيضا أنشأت مؤسسة “فاميليا” لتدريب الأسرة والأفراد في القاهرة عام 2012، قبل أن تهاجر لاحقا حيث تقيم الآن في كندا لتعمل هناك في “مركز الإغاثة والدعم النفسي ومركز التربية الأسرية”.
الكتاب متوسط الحجم يصل عدد صفحاته إلى نحو 290 صفحة، مكتوبه كله تقريبا باستثناء سطور قليلة باللهجة العامية المصرية، وهو اتجاه لجأ إليه بعض الكتاب قبل سنوات، وحقق تواصلا مع قطاع ما من القراء مكنهم من الاستمرار فيه رغم غرابته أو الاستهجان الذي طاله من قبل القراء التقليديين الذين يعرفون بأن الكتاب الطبيعي يكتب بالفصحى البسيطة، لكن ليست العامية وحدها هى السبب الوحيد بكل تأكيد في أن يبيع “سندريلا سيكريت” آلاف النسخ الرسمية والمزورة.
الأكيد أن مضمون الكتاب، ورسالته الضمنية التي توحي لقارئه بأنه سيجد بين هذه الصفحات وصفة سحرية ما للوصول إلى السعادة (الزوجية ربما، أو المهنية مثلا)، ولتجاوز لحظات الاكتئاب، والانكسارات، والشعور بالوحدة أو بالملل أو حتى الشعور بااللاجدوى من الحياة الروتينية التي يعيشها.
والحقيقة، ورغم أن الكتاب لا يخل بعض الشئ من استخفاف أو استظراف، إلا أنه يقدم خطوات لابأس بها على الاطلاق في سبيل مواجهة الإنسان لمخاوفه وعزلته وتراجع شعوره بالسعادة، خاصة وأن المؤلفة لاتدعى في معظم فصول الكتاب أن ما تقوله هو الحقيقة المطلقة وإنما اجتهاد ووصفات مجربة، محاولة في ذات الوقت أن تبتعد عن توصيف الكتاب باعتباره نسخة مبتذلة من “التنمية الذاتية”، حتى أنها تسخر من ذلك بالفعل بقولها أن الكتاب لايتضمن نصائح من عينة “اقعد مع نفسك في أوضة ضلمة وقل لنفسك أنا سعيد 100 مرة.. هتبقى سعيد”.
ولأن الكتاب موجه بالأساس إلى جمهور من القارئات، والمراهقات بشكل أساسي، فإنه يبدأ بفرضية لاتخل من مرح وخيال تقضي بأن سندريلا بعد أن تزوجت الأمير شعرت بالملل وبأن زوجها هجرها بفعل الروتين، وباتت تشعر بأن حياتها بلامعنى، فتذهب إلى الساحرة “أشجان” لتطلب منها العون، فكانت فصول سندريلا سيكريت العشرة المقسمة إلى عناوين نسائية موحية من بينها “أنا مسؤولة، أنا متوازنة، أنا صاحبتي، أنا حرة، أنا حكيمة، أنا مسيطرة، أنا مؤثرة، أنا والحياة” والترتيب السابق في الفصول يحمل تصاعدا في إحساس المرأة بذاتها ثم قيامها بعدة أدوار استنادا لذلك في مجتمعها الصغير والكبير، ويذخر الكتاب بكثير من العبارات المحمسة على التفاعل والنشاط والتفاءؤل من نوعية “في فيلم الكارتون ممكن أصدق إنك طالعه بس عشان تسقفي للبطل! إنما في الحياة مفيش كومبارس! كلنا أبطال، كل واحد فينا له دور في فيلم الحياة” و”أول مبدأ عايزين نتعلمه ونطبقه هو أنا المسؤولة 100% عن حياتي”، و “انتي محتاجة تملي 7 تانكات يا سيندريلا عشان توصلي للتوازن في حياتك:
1- تانك علاقتك بربنا
2- تانك علاقتك بأهلك
3- تانك علاقتك بصحابك وزمايلك في الشغل والدراسة والاهتمامات،
4- تانك علاقتك بجوزك
5- تانك علاقتك بولادك أو أي حد معتمد عليكي في الرعاية
6- تانك علاقتك بنفسك
7- تانك علاقتك بالمجتمع والعالم اللي حواليكي”
واضح طبعا أن ترتيب “التانكات” مقصود، وبالتالي فإن محتوى الكتاب لايتصادم مع الدين بل على عكس ذلك يحرض على تطوير العلاقة بين القارئ وربه، وهو أمر إضافي لعله فتح الباب لانتشار مضاعف للكتاب لأنه “آمن” ولايثير الشكوك الدينية (وهو للأمانة ليس هدف مثل هذه النوعية من الكتب)، كما أن الكتاب يستهدف جمهور السيدات بشتى أحوالهم الاجتماعية، والاقتصادية، فالمتزوجة ستهتم بقراءة الكتاب سعيا للوصول إلى طريقة تملأ بها “السبع تنكات”، بينما العازبة ستهتم بمعرفة طريقة ملء خمس تانكات على الأقل، وستقرأ المتبقي على سبيل الاستعداد لزواج وأمومة قادمة.
هل كانت المؤلفة تقصد هذا وهى تكتب الكتاب أم لا؟ الإجابة لديها فحسب، لكن الأكيد أن “تعكر المزاج الاجتماعي والاقتصادي” للمصريين خلال الفترة الماضية كان أحد أسباب تحقيق “سندريلا سيكريت” تلك الجماهيرية الكبيرة بين القراء، لأن الضغوط النفسية التي خلفها ذلك التعكر، عادة ما تدفع صاحبها للتفكير في أسئلة تتعلق بمستقبل حياته والسبب وراء عدم شعوره بالسعادة أو افتقاده للطموح والرغبة في الاستمتاع بالحياة، ليأتي كتاب “سندريلا سكريت” بالنسبة له كاستراحة من الضغوط، خاصة أنه كتاب في مجمله مسل ولايخل من فائدة للجمهور العام الذي لايقبل على القراءة عادة، كما أنه مكتوب باسلوب دارج وسهل يجعل قراءته مهمة خفيفة وليست ثقيلة، وبالأساس فإن نوعية هذه الكتب التي تبدو بأنها تقدم حلوللا لمشكلات حياتية يومية عادة ما تحقق مبيعات كبيرة في العالم بأسره، حتى ولو لم تظهر هذه النوعية في مصر إلا منذ عشر سنوات تقريبا مع انفجار موجة “التنمية الذاتية” قبل أن تخفت قليلا ليحل مكانها كتب “التنمية النفسية”، ولعل مؤلفة الكتاب أدركت كل ما سبق، لذا فقد أنهت الكتاب بإشارة إلى أن “سندريلا سيكريت” ليس سوى “مرحلة التجهيز” وأنه “جهزي نفسك كويس لحد ما نكمل كلامنا الكتاب الجاي”!