قبل نحو 8 سنوات كتب خالد دياب فيلمه الرائع (العسل الأسود) إخراج خالد مرعى، بطولة أحمد حلمى، السيناريو يقطر حبا فى مصر برغم انتقاده اللاذع لها وحنين البطل الدائم للعودة لأمريكا، إلا أنه فى المشهد الأخير وبعد أن صعدت الطائرة استطاع، مستغلا جنسيته الأمريكية وجواز سفره الأزرق، إقناع المضيفة بالعودة لمصر، ونستمع أثناء ذلك إلى ريهام عبدالحكيم وهى تردد (فيها حاجة حلوة)، هذه المرة فى (طلق صناعي) يضحى البطل ماجد الكدوانى بنفسه من أجل هدف واحد أن يحصل طفلاه التوأم على الجنسية الأمريكية باستخدام حيلة قانونية بأن من يولد فى السفارة بمصر يعتبر أمريكيا.
مثل الفيلم مصر فى قسم (ليال عربية) بمهرجان (دبى)، وكأنه الفصل الثانى من (عسل أسود)، فلم يبق لدى المصريين سوى الهجرة، ما الذى حدث للمواطن المصرى الذى عاش ثورتى 25 و30؟، تجددت ثم تبددت فى لحظات الأحلام بالرخاء والعدالة والديمقراطية، فكفر المصرى بكل شىء إلا الحلم الأمريكى.
الحالة العامة التى عليها الفيلم تستدعى للذاكرة (الإرهاب والكباب)، الذى كتبه وحيد حامد وأخرجه شريف عرفة قبل نحو ربع قرن.
نرشح لك: طارق الشناوي يكتب: قبضة الدولة تخنق المهرجان!!
حصار مجموعة داخل مكان بنك أو سفارة أو جامع أو كنيسة أو مجمع وغيرها كما حدث فى (الإرهاب والكباب) ليس حكرا على أحد، ولكن هناك حالة من التأثر لا يمكن إنكارها، حتى عندما يتعمد الابتعاد، فهو يبدو وكأنه يستشعر الحرج، مثلما يحيل شخصية وزير الداخلية إلى مدير أمن القاهرة، كما أن الكاتب والمخرج خالد دياب يستدعى أيضا شخصية من أرشيفه الشخصى فى (عسل أسود) وهى إيمى سمير غانم، وتحديدا طريقة نطقها الكاريكاتورى للإنجليزية لتقدمها مجددا مى كساب.
فى السفارة العديد من الشخصيات، ولكن المخرج والكاتب خالد دياب لم يُقدم لنا إلا عددا محدودا منها، جميعهم لديهم أمل العبور للجانب الآخر من المحيط، من يدعى المثلية الجنسية، وهناك مسلم يجاهر بأن المسيح يسكن قلبه ويريد السفر لإشهار ديانته، ويقدم واحدا من أكثر المشاهد عبثية تلك التى يخلط فيها بين الإسلام والمسيحية، عندما يحلف على المصحف أنه مسيحى!!.
السفارة محاصرة، والسيناريو الذى كتبه الأخوة دياب (محمد وشيرين وخالد) يفضح الداخلية فى تعاملها السافر مع المواطنين ونظرتها لحقوق الإنسان التى تعنى بالنسبة لها حقوق التعذيب وتوجيه الشتائم، كما يشير إلى توغل السفارة الأمريكية فى الشأن المصرى، حتى أعلى سلطة، الفيلم به مساحات من الجرأة فى التناول على مستوى الطرح السياسى، ولكن كثيرا ما كان يلجأ للمباشرة فى الحوار، يغيب عن الأبطال الإحساس بالانتماء، وهو قطعا لا يعنى التخفيف من انتقاد الدولة، الروح الوطنية كانت غائبة ولكنها ليست مغيبة، فلم يتعمدها المخرج فى تكوين شخصياته، إلا أنه كان لديه هدف فضح هذا الإحساس الذى ألمحه بين الحين والآخر متجسدا فى جزء لا يستهان به من شباب هذا الجيل.
عدد من التفاصيل غابت عن المخرج أثرت على المصداقية، عندما يتلقى ماجد الكدوانى طلقة من القناصة، إلا أنه يخرج من السفارة ملوحا وبقوة يخاطب الرأى العام، وكأنه لم يتلق قبل لحظات طلقة غادرة، السيناريو به حس كوميدى سياسى ساخر، ولكنه على مستوى الرؤية الإخراجية يسرد ولا يعبر، هذه المرة رأيت الممثلة حورية فرغلى التى قدمت دورها بإحساس وألق، الفيلم قاتم جدا ورغم ذلك فلاتزال مصر (فيها حاجة حلوة)!!.