تحليل: قنوات الأفلام.. لماذا تفشل؟

رباب طلعت
 
24 عامًا تقريبًا، مضت على الانطلاقة الأولى لأول قناة أفلام متخصصة، ذلك المصطلح الذي ظهر في أوائل تسعينات القرن الماضي، ضمن مجموعة (ART)، وتوسع ليضم أسماء كثيرة أخرى بعدها، إلى أن وصل لأحدث أشكاله الحديثة المبتذلة، وغير القانونية، والمهددة لسوق الإنتاج السينمائي.
 
 
ظهرت العديد من قنوات الأفلام على مدار الـ24 عامًا الماضية، إلا أن العديد منها فشل، وإن استمر في عرض أفلامه، إلا أنه فقد جمهوره، والاهتمام الجماهيري به، لعدة أسباب وأزمات، تعرضت لها تلك القنوات، يرصدها “إعلام دوت أورج” فيما يلي:
 
 
(1)
 
في العام 1993، أطلق رجل الأعمال السعودي صالح كامل، أول قناة أفلام متخصصة في الشرق الأوسط ضمن مجموعة قنوات (art)، التي أسسها وقتها، بشكلٍ مجاني لثلاث سنوات، وقرر تشفيرها عام 1996، لتصبح مدفوعة باشتراك شهري، لاقى إقبالًا جماهيريًا وقتها، خاصة لعرضها أفلامًا جديدة، وحصرية مباشرة بعد عرضها في دور السينما، وأصبحت القناة 3 قنوات أفلام عربية (art1- art2- art cinema).
 
بالرغم من نجاح المجموعة بشكلٍ ملحوظ، خلال تلك الفترة، ليس على مستوى عرض الأفلام الحصرية فقط على (art cinema) فقط، أو البرامج الفنية التي انطلق منها مجموعة من أشهر الإعلاميين في الوطن العربي، وإنما أيضًا بسبب القنوات الرياضية المختصة، التي احتكرت وقتها المباريات الهامة، إلا أنها تعرضت لأول أزماتها في أوائل 2002، الفترة التي تسلم فيها “عبدالله” نجل صالح كامل، للقنوات الرياضية في الشبكة، بدأت تصفية العديد من القنوات، بدأت بـ”قناة الموسيقى art5″، إلى “روتانا” التي صعد نجمها وقتها، ثم حقوق الملكية الرياضية لدى قنواتها الرياضية إلى شبكة قنوات “الجزيرة” في 2009 بسبب الخسائر المادية الكبيرة التي تعرضت لها خلال سنواتها الأخيرة، واحتفظت ببعض القنوات التي ظلت تبث لليوم بالشراكة مع باقة شبكة “أوربت شوتايم”، التي كانت تفتقر للمحتوى العربي.

 
الجدير بالذكر أنه في 2002 كانت (أفلام art) التي كانت تديرها الفنانة صفاء أبو السعود زوجة مالك القناة، وكانت تقدم عليها واحدًا من أشهر برامجها “ساعة صفا”، تمتلك أكبر أرشيف أفلام عربية ومصرية حصرية، وبدأت تديرها من القاهرة، بدلًا من روما، مدينة الانطلاق الأولى، فيما اهتمت (art أفلام2) بالبرامج وتغطية المهرجانات، واهتمت بعرض الأفلام القديمة، في المقابل كانت الأفلام تنتقل مباشرة من السينما إلى (art سينما)، منذ بداية عام 2004، إلا أنها وبالرغم من ذلك انهارت جماهيريتها تمامًا، بسبب تلك الأزمات المادية، والذي كان سببًا أساسيًا ومحركًا رئيسيًا فيها أيضًا هو توجه الجمهور إلى النجم الجديد وقتها، غير المشفر، والذي استطاع الحصول على عروضٍ لأفلام حصرية، تُعرض لأول مرة على الجمهور “مجانًا” ودون اشتراك شهري عام 2011.

 
(2)
 
ذلك النجم الجديد هو مجموعة روتانا، التي أسسها رجل الأعمال السعودي أيضًا الوليد بن طلال، عام 1982، أي قبل (art) بحوالي 9 سنوات، ولكن كشركة للإنتاج الموسيقي، نجحت في استقطاب واحتكار العديد من المغنيين العرب، وحصلت بعد عام 2002 تقريبًا على “قناة الموسيقى art5″، بفنانيها، ومن ثم ومع بداية 2003 أطلقت 5 قنوات موسيقية طبقًا لمجالها الفني، دفعة واحدة، وهي روتانا موسيقى، روتانا كليب، روتانا طرب، روتانا أغاني، روتانا خليجية، إلا أنها وفي سنة 2009 قلصتها فقط إلى قناتين هما روتانا موسيقى وروتانا كليب، بالإضافة إلى بث قناة روتانا زمان للأغاني القديمة، وروتانا خليجية لأغاني الخليج فقط.
 
في عام 2011 لم تكتفِ مجموعة “روتانا” سحب بساط النجومية من (art)، في مجال الموسيقى، بل نافست وبذكاء على المستوى السينمائي، مستهدفة الجمهور المصري بـ”روتانا مصرية”، ومن ثم في 2012 توسعت الدائرة بـ”روتانا سينما”، ولمزيد من التخصص كانت “روتانا كلاسيك”، بعدما امتلكت المجموعة ما يزيد عن 2000 فيلم سينمائي منها القديم والحديث والنادر الذي عرضته هي لأول مرة على “كلاسيك”، وازدادت حصة “روتانا” من تلك المكتبة، إلى ما يفوق 60% من حصة سوق عرض الأفلام.
 

 
قنوات أفلام روتانا، وبالرغم من الأزمات الإنتاجية التي ضربت العديد من القنوات، تعتبر الأنجح، أو كتعبيرًا الأدق الأكثر حفاظًا على نجاحها، واستمرارها في تقديم خدماتها للجمهور، سواء كان ذلك بسبب مكتبتها الضخمة، التي تحوي أفلامًا نادرة، أو الحرص على عدم إثارة غضب متابعيها بالفواصل الإعلانية الطويلة، وأيضًا بحرصها على تطوير أساليب عرضها، كتوقيعها مع شركة (Linux Based Digital Solution) المختصة في حفظ الأفلام رقميًا لحماية ثروتها من الضياع.
 
 
كان أيضًا وجود الإعلامية هالة سرحان في “روتانا” وتوليها منصب مدير البرامج والمدير الإقليمي، بالإضافة لتقديمها برنامجي “هاله شو” و”السينما والناس”، عامل جذب كبير للجمهور، حيث أنها حرصت على استضافة العديد من نجوم الفن الكبار، وتقديمهم في سهرات مسائية طويلة في برنامجها، جعل الجمهور يفتح القناة ليل ونهار، لمتابعتها، ومنه انطلق شعار “روتانا” الشهير “مش هتقدر تغمض عينيك”، والذي كانت تردده دائمًا الإعلامية في برنامجها، وبالرغم من أن “سرحان” تركت القناة لفترة بعدما تعرضت لحالة كبيرة من النقض، ورُفعت ضدها دعاوٍ قضائية بسبب حلقة “فتيات الليل” الشهيرة، إلا أنها عادت لمجموعة قنوات “روتانا”، لتعيد لها الحياة من الجديد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لتقدم برنامج سياسي على “روتانا مصرية”، وظهرت مرة أخرى بعدما تركتها فترة قصيرة في عيد “روتانا سينما” العاشر، في 2014، لتعيد لها ماء الحياة من جديد في سهرة استضافت فيها كبار نجوم الوطن العربي وأبرزهم الزعيم عادل إمام الذي يُعرف عنه قلة ظهوره الإعلامي، وهو الدليل العملي على نجاح “سرحان” في استقطاب النجوم وإنعاش القناة من جديد.
 
 

 
كما أنه ومع عزوف الكثير من الجمهور، خاصة فئة الشباب عن مشاهدة الأفلام على القنوات الفضائية، حرصت روتانا على أن تظل بقوتها في السوق في مجال الأفلام، حتى وإن كان باقتحام سوق الإنتاج حيث وقعت في 2016، على عقود بقيمة 320 مليون جنيهًا مصريًا، مع أهم المنتجين العرب، لإنتاج أكثر من 50 فيلماً سينمائياً عربياً في 2017، و2018، كذلك اعتمدت على التعهد بتنظيم حفلات ومهرجانات دول الخليج الكبرى، وعلى رأسها العام المقبل مهرجان “هلا فبراير”، بالكويت، ما يوسع جهات الضخ المالي للمجموعة، ويحافظ على صمود قنواتها ومنها الخاصة بعرض الأفلام، وتعيش الشبكة أزمة حاليًا مثلها ككُبرى القنوات العربية مؤخرًا، بسبب القبض على ملاكها، في قضايا الفساد بالسعودية، ما تسبب في انتشار العديد من الشائعات، التي نالت من “روتانا” نفسها، بسبب غموض مصير الوليد بن طلال، صاحب الأسهم الأكبر فيها، والذي باتت إدارتها منفصلة عنه تمامًا منذ 3 سنوات، الأمر الذي يُرجح حسبما يُشاع من أقاويل بأن هنالك توجهًا من الإدارة لبيع أسهم رجل الأعمال السعودي، والاتجاه لإدارة المجموعة والقنوات، من مكتب القاهرة، في محاولة لاستمرار الحفاظ على الاستقرار، ما يدفعنا للتساؤل هل تظل القناة قوية ومتماسكة في الفترة المقبلة أم أنها ستتراجع؟
 

 
(3)
 
في تلك الفترة، التي احتكرها نسبيًا رجال الأعمال السعوديين، في إطلاق قنوات الأفلام، ضمن مجموعة من القنوات المتخصصة، اقتحم رجل الأعمال المصري جمال أشرف مروان المجال، عام 2003 بمجموعة “ميلودي”، الأكثر جدلًا، والأسرع فشلًا، فمجموعة قنوات ميلودي الترفيهية كانت شركة إعلاميه ترفيهيه في الوطن العربي، كانت تمتلك وتدير الخدمات المقدمة من عدة شركات منها شركة ميلودي فيلم المحدودة، وخدماتها: قناة “ميلودي أفلام”، وشركة راديو ميلودي القابضه والتي من خدماتها: “ميلودي سينما”، خرجت على الجمهور بمبدأ “الصدمة” سواءً كانت بحملاتها الإعلامية الشهيرة “ميلودي تتحدى الملل” وغيرها من الشعارات، التي كان يرددها نجومها الإعلاميين الذين صُنفوا وقتها في خانة (+18)، وأُثير حولها جدلًا واسعًا ومطالبًا بإغلاقها، باعتبارها تبث أخلاقيات غير مقبولة في المجتمع، واستمرت القنوات حتى 2012، حيث قدم محاميان، دعوى قضائية طالبا فيها بوقف بث القناة، بسبب بثها للإعلانات ”المسفة والخادشة للحياء”، مما يعد تحريض على الرذيلة والعمل على اختراق الآداب العامة بمخالفة القوانين، وتجاوزها لحدود الفن والإبداع دون خجل أو حياء، وقد قضت دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإداري وقتها بوقف إعلان “وديع” ومنع ظهور بعض ممثلي الإعلان من الظهور في أي برامج أخرى، وأقرت بوقف بث القناتين ”ميلودي و ميلودي تريكس” لمدة أسبوع علي ألا يعاد بث القناة ألا بعد التأكد من إزالة تلك المخالفات.
 

كانت تلك أولى أزمات ميلودي، والتي لم تطل قناة الأفلام المتخصصة التابعة لها، إلا أن الأزمة الحقيقية قد بدأت أيضًا في تلك الفترة، وتوقفت كل القنوات تمامًا وتم تسويد شاشتها، في 2013، بسبب خلافٍ بين مالك المجموعة، جمال مروان، والشركة المسؤولة عن البث في دبي، لتستمر في التوقف عدة أشهر وتعود في يونيو 2013، بعدما قرر “مروان” العودة من جديد إلى مصر، وبث قنواته من خلال القمر نايل سات.
 
لم تستمر القناة كثيرًا لعدة أسباب منها سوء الإدارة، واعتماد إدارتها على تقديم عدد أفلام أقل، بالإضافة لعرض الحصريات على فترات متباعدة، كما بدأت الأزمات المادية تضربها، تعلق بعضها بمتأخرات مادية على القنوات، كانت سببا في غلق أستوديوهاتها وقتها، وتزايد الديون عليها، فتوقفت عن نشاطها عدة سنوات، وعادت في يونيو 2016، بخطة دعائية جديدة، لكنها لم تلقَ النجاح المطلوب، فسنوات الغياب كانت كفيلة لاستبدالها بقنوات أخرى، وإن كانت “قرصنة”.

 
(4)
 
خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت العديد من قنوات الأفلام الأخرى التابعة لشبكات كبرى، والتي لم تلقَ نجاحًا كبيرًا بالرغم من نجاح شقيقاتها العامة أو الدراما أو حتى الرياضة التابعة لنفس المجموعة، لاعتماد أغلبها على عرض الأفلام القديمة، خاصة من السبعينات إلى التسعينات، ولعزوف نسبة كبيرة من الجمهور عن مشاهدة الأفلام القديمة، أو مشاهدة الأفلام بشكلٍ عام على شاشات التلفزيون، تلك القنوات كان أغلبها لا يستمر كثيرًا عدة أشهر، وتفشل التجربة، أو تستمر بفشل، مع عدم وجود إعلانات كبيرة تُضخ بين الفواصل لتغطية نفقات القناة، فاتجه البعض لإغلاقها، أو لإعلانات “الدرجة التالتة”، التي يحتوي أغلبها على منتجات “مضروبة”، أو غير موثوق بها، أو المستفزة في أحيانٍ كثيرة، حيث تحولت الكثير من تلك القنوات إلى قنوات إعلانية بفواصل من فيلمٍ عربي.
 
 
في الحين نفسه، وللتغلب على ظاهرة المشاهدة أون لاين ظهرت العديد من قنوات قرصنة الأفلام منها (حبيشة وتوك توك والزعيم وقلب الأسد وسينما شبرا بالاس وصافيناز وتتح وأبلة فاهيتا وغيرها) من القنوات التي تحمل أسماء شهيرة ومعروفة سواءً كان لفيلمٍ ناجح وقتها، أو شخصية معروفة، وتعتمد بشكلٍ تام على عرض فيلمٍ واحد أو اثنين على الأكثر طوال اليوم، مسروقًا من السينما، تم تصويره بكاميرا موبايل ضعيفة ومهزوزة، فقط من أجل كسب أموالٍ طائلة من الإعلانات التي تتوسط تلك العروض “الحصرية المزيفة”، التي تهدد سوق الإنتاج السينمائي، وصناعة الأفلام بشكلٍ متبجح، وبالرغم من المحاولات التي تبذلها السلطات المصرية، والمهتمون بالشئون السينمائية، وغرفة صناعة السينما، للحد من تلك القرصنة، إلا أنها كلها تؤول للفشل بسبب عرضها من خارج مصر، وفي الأغلب بالاعتماد على القمر الصناعي “يوتل سات”، مستغلين وجوده في مدار “نايل سات”، ما يجعل الأمر متروكًا لأهواء أصحابها، إما بقرارهم إغلاق تجربتهم الفاشلة، بسبب عدم حصولهم على الإعلانات المتوقعة، وبالتالي خسارة كبيرة، أو بالاستمرار بأقل المكاسب، أو بتحويلها إلى قناة أفلام قديمة، وتقنينها فيما بعد.
 
 
(5)
 
في 2008، دخل السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، في صراع القنوات الفضائية، مؤسسًا واحدة من أبرز الشبكات التلفزيونية منذ تأسيسها وهي “الحياة”، والتي بدأت بميزانية تصل إلى 70 مليون جنيه، تم تخصيص ثلثها (25%) للبرامج الخاصة، و15% منها لشراء الأفلام، التي كانت تعرض على القناة العامة، قبل إطلاق الشبكة لـ”الحياة سينما” في مايو 2010، وبدأت بعرض فيلمين حصريين هما “الجزيرة”، و”خليج نعمة”، وحجزت “الحياة سينما” مكانًا هامًا وسط قنوات الأفلام لعدة سنوات انتهت في مارس 2015، وتردد وقتها أن السبب في ذلك هو تأثير قنوات “القرصنة” على نسب مشاهدتها، والتي تعرض الأفلام المسروقة، ما جعل شرائها وعرضها حصريًا على القناة خسارة واضحة.

 
السبب المعلن عن إغلاق الشبكة لقناة “الحياة سينما”، وقتها، لم يكن سوى نصف الحقيقة الكاملة والمعروفة، وهي تعرضها للعديد من الأزمات المالية التي هددت استمرارها منذ منتصف 2014 تقريبًا، وتفاقمها في مطلع 2015، ما أدى لتأخر صرف رواتب العاملين بها، والذين اعتصموا عدة مرات أمام إستوديوهاتها، ومنعوا الإعلاميين من الدخول لتسجيل برامجهم، ما تسبب في وقف البث الحي عن القناة لساعات، ومن ثم لجوء القناة لتخفيف عمالتها، كذلك تم إحالة 18 بلاغًا ضد قناة “الحياة” العامة، لتأخر صرف مستحقات الفائزين في برامج المسابقات المالية.
 
 
ازداد الأمر سوءًا في الشبكة، وتكررت اضرابات العاملين لمرات عدة، من 2015 إلى 2016، حتى إن القناة بدأت في إعادة إذاعة حلقات من برامج قديمة، لعدم إمكانية تسجيل الجديد، وهو الأمر الذي أقلق المعلنين، قبل رمضان 2016، خاصة لتردد الكثير من الأقاويل، بأنها معرضة للبيع أو على الأقل دخول مساهمين جدد فيها، وهو ما نفاه تمامًا صاحبها السيد البدوي ومحمد سمير رئيس شبكة تليفزيون الحياة، ونجحت القناة في عرض بعض المسلسلات الحصرية، وهو ما زاد من أزمتها المالية، بشكلٍ كبير، وظلت في حالة تخبط عام كامل، إلى أن وقف البث عنها من قبل مدينة الإنتاج الإعلامى، حيث قامت بوقف كل الخدمات المقدمة لها، بما فيها خدمة كهرباء البث المباشر، أول يوليو 2017 كإجراء أولي تمهيداً لفسخ التعاقد المبرم بين المدينة والقناة نهائياً لعدم الوفاء بسداد المديونيات المستحقة عليها، بالرغم أن عائدها من الإعلانات قد وصل في رمضان 2017 إلى 91 مليون جنيه، ولم تحصل القناة منها إلا على 700 ألف جنيه فقط، إلى أن انتهت الأزمة ببيع الشبكة لشركة “تواصل” بمليار و400 ألف جنيه، إلى أنّ السيد البدوي مالك الشبكة أعلن للعاملين بيعها لشركة “تواصل”، التي يرأس مجلس إدارتها شريف خالد، وتعيين خالد حلمي مديرًا لها، وهالة سرحان رئيسًا للشبكة، لتبدأ عهدًا جديدًا، بهيكلة جديدة، من الممكن أن تعيد “الحياة سينما” للحياة من جديد، خاصة أن لـ”سرحان” تجربة سابقة وناجحة جدًا في “روتانا سينما”.
 
 
(6)
 
قبل انطلاق شبكة تلفزيون “الحياة” بعامٍ تقريبًا، ظهرت “بانوراما دراما”، أول قناة مصرية متخصصة في المسلسلات المصرية فقط، اتجهت سياسة مهدي عويس، مالكها، ورئيس مجلس إداراتها، إلى تجنب عرض المسلسلات التركية والسورية، التي انتشرت وقتها، والاكتفاء فقط بحصريات الدراما المصرية، وقد كان لها دورًا كبيرًا في إنقاذ الإنتاج الدرامي، بعد قلة عروض القنوات العربية، لشراء المسلسلات المصرية، ما شجع المنتجين على إنتاج عدد أكبر منها، وصنعت “بانوراما” قاعدة جماهيرية، ساعدتها في زيادة قنواتها وكان أبرزها “بانوراما دراما2” لعرض محتوى الأولى بعدها بساعتين، وأيضًا في نهاية ديسمبر 2009، توجهت لإطلاق “بانوراما فيلم”، التي خصصت لها ميزانية تقدر بـ60 مليون جنيه، انقسمت لشراء ما أسمته القناة وقتها بـ”انفرادات بانوراما”، أو الحصول على عددٍ من أفلام مكتبتي “روتانا”، و”art”.
 
انطلقت “بانوراما فيلم” يوم 31 ديسمبر 2009، في حفلٍ كبير حضره نجوم الفن والرياضة والإعلام، إلا أنها لم تلقَ النجاح المطلوب منذ بداية عرضها، لأسباب عدة، أبرزها عدم تمكنها من منافسة قنوات الأفلام الأخرى في الحصريات، فالأفلام التي عرضتها كانت ضعيفة بالمقارنة بالقنوات الأخرى، بالإضافة إلى الفواصل الإعلانات الطويلة و”المملة”، أثناء عرض الفيلم، كذلك عدم الاعتماد على برامج فنية أو غيرها مما يجذب الجمهور، كما فشلت الشبكة في دخول سوق الإنتاج السينمائي، بعد تجربتها الأولى بإنتاج فيلم للفنان نضال الشافعي “يا أنا يا هو”، نظرًا لعدم خبرتها في سوق الإنتاج السينمائي.
 

 
واجهت الشبكة العديد من الأزمات المادية والقضائية، منها دعوى قضائية ضد مالك القناة ونجله، طالبت بالتحفظ على أموالهما، وإشهار إفلاس المجموعة، الأمر الذي يهدد استقرار “بانوراما فيلم”، المستمرة بشكل ضعيف الآن.
 
 
(7)
 
“النهار سينما” هي “آخر عنقود” قنوات الأفلام، وأقصرهم عمرًا، حيث إنها انطلقت في فبراير 2016، على نفس تردد قناة “النهار رياضة”، وهو الأمر الذي ضمن لها جمهورها في البداية حتى وإن كان بالصدفة، وتحولت إلى “النهار دراما بلس”، في رمضان 2017، ولم يعد البث لها من جديد.
 
لم تعتمد “النهار سينما” منذ انطلاقتها على بث أفلام حصرية، إنما كانت مختارات من الأفلام القديمة والحديثة المتداولة على القنوات الأخرى، وهو الأمر الذي لم يكن مجديًا، وجاء ضمن فترة التخبط التي أصابت الشبكة، التي اندمجت وقتها مع “cbc”، وتخلت عن “النهار اليوم”، لظهور الوليد الجديد “extra news”، ناتج الدمج بين “النهار اليوم”، و”cbc extra”، والتي تخلت عنها بعد ذلك لـ”cbc” بعد فشل الدمج بينهما.
 
اعتمدت “النهار سينما” أيضًا بجانب الأفلام، على تواجد الإعلامية بوسي شلبي في أغلب المهرجانات، خلال فترة بث القناة القصيرة، واستضافت العديد من الفنانين، الحاضرين وقتها، في برنامجها “أحلى النجوم”، وذلك أيضًا لم ينجح كثيرًا في إعطاء بصمة خاصة للقناة، تضمن استمراريتها، وسط القنوات الأخرى.
 

 
كان غلق القناة سريعًا أمرًا متوقعًا، خاصة في محاولة الشبكة إعادة هيكلة نفسها، والحفاظ على توازنها بالتركيز على هدف تأسيسها الأساسي، وهي قناة “النهار” بما تقدمه من برامج “توك شو” واجتماعية وترفيهية، تهم الأسرة المصرية، وكذلك لتخفيف التكاليف، لصبها في صالح استقطاب عددًا من نجوم الإعلام للقناة، آخرهم معتز الدمرداش، أحد مقدمي “آخر النهار”، وعودة الإعلامي محمود سعد، من جديد لها، من خلال “باب الخلق”، لإنقاذها من المصير الذي بدأ يتنبأ به الكثيرون مؤخرًا وهو بيعها لجهة أخرى، كمصير “الحياة”، لإنعاشها.
 
 
(8)
 
تلك الأحداث المتتالية، ومراحل تطور مشاكل قنوات الأفلام يمكن منه الخروج بالعديد من الحقائق، على رأسها أن القناة الوحيدة من بين تلك القنوات، التي حافظت على استمرارها، بأقل الخسائر هي قنوات أفلام مجموعة “روتانا” لعدة أسباب منها:
 
 
1- ضمها لنسبة 60% من الأفلام العربية منها النادر، والذي تم عرضه عليها لأول مرة، بالإضافة للاستمرار في عرض الحصريات الجديدة، وذلك بسبب استطاعتها على تحدي الأزمات المادية بالخروج منها عن طريق خططٍ مختلفة، منها اقتحام مجال الإنتاج تارة، وتنظيم الحفلات تارة أخرى، بالإضافة للوتد الأساسي لها، هو إنتاجها الموسيقي الضخم.
 
2- بالرغم من أن الأزمات المالية تضرب كافة القنوات، من فترة لأخرى، إلا أن قنوات الأفلام تحديدًا هي الأكثر وهنًا أمامها، للعديد من الأسباب على رأسها، الحاجة إلى ميزانية تزداد سنويًا لزيادة أسعار إنتاج الأفلام وبالتالي ثمن شرائها، لعرضها حصريًا، وهو الأمر الذي نجحت فيه أيضًا “روتانا سينما” حيث خدمت المجموعة ذلك الأمر.
 
3- توجه قنوات الأفلام للإعلانات خاصة “الدرجة الثالثة”، وعرضها بشكلٍ مكثف، لتحصيل المكاسب المطلوبة، يُطيل من عدد ساعات عرض الفيلم، إلى الضعف أحيانًا، سبب رئيسي في عزوف المشاهد حتى وإن كان من محبي متابعة الأفلام، ما يجعله يتجه للقنوات التي تعرض إعلاناتها بشكلٍ أقل، وهو الأمر الذي حافظت أيضًا “روتانا” عليه.
 
4- ابتعاد القناة عن المحتوى غير اللائق بالمشاهد العربي أيضًا يعد سببًا رئيسيًا ما جنبها العديد من الانتقادات، والدعاوى القضائية.
 
5- استمرار القناة في تقديم خدماتها مجانًا حافظ على مشاهديها، حيث نجحت في استمرار وجودها في المنازل العربية، دون داعي لتكاليف اشتراك، أصبحت غير مجدية عند الكثيرين، خاصة وسط انتشار الفضائيات المفتوحة، وكذلك مواقع رفع الأفلام، التي تعرض كل ما هو جديد وبجودة عالية، الأمر الذي يعد السبب الرئيسي في تراجع كافة قنوات الأفلام وفشلها مؤخرًا.