لم يعد هناك مجال للصخب والصوت العالي، هذا هو ما لم يدركه أغلب صُناع السينما المصرية الذين لاتزال أفكارهم تسكن سطح الحدث، صارخة بالفكرة.
جوائز مهرجان دبي التى أعلنت مساء أمس الأول تنحاز لنعومة التعبير، حيث نال الفيلم الفلسطينى (الواجب) الجائزة الأكبر عربيا (المُهر) الذهبى للمخرجة آن مارى جاسر، التى شاهدت أغلب أفلامها الروائية فى العديد من المهرجانات وصارت وجها عربيا له مساحة من الحضور المؤثر دوليا، ودائما لديها هم سياسى ووطنى، أحداث الفيلم تقع فى ليلة واحدة، حيث تمزج السخرية اللاذعة بالموقف العائلى والاجتماعى بالقضية السياسية، عندما يتم استدعاء الابن الذى يؤدى دوره صالح بكرى لكى يشارك بعد عودته من إيطاليا فى فرح شقيقته ويساعد والده محمد بكرى فى توزيع دعوات الفرح على أفراد العائلة، ومن هنا جاء عنوان الفيلم (الواجب)، على اعتبار أنه فرض عائلى، هذا الموقف البسيط تطرح من خلاله كل الأفكار بأسلوب عفوى لتمتزج معا، وترى أيضا معاناة الشعب الفلسطينى. جوائز الفيلم تضمنت أفضل تمثيل مناصفة بين الأب محمد بكرى وابنه فى الواقع وأمام الكاميرا صالح، وهى من المرات النادرة التى يحدث فيها مثل هذه المناصفة العائلية.
نرشح لك: مصر تستجيب للمطالب الروسية في تأمين المطارات
الفيلم اللبنانى، الذى توج أيضا بجائزة لجنة التحكيم، وهى تلى الجائزة الكُبرى (غذاء العيد) للمخرج لوسيان بورجيلى، أول أفلامه الروائية الطويلة، يطرح كل القضايا على المائدة فى ليلة عيد الفصح، قيد الزمان أضاف له المكان، وفى حجرات المنزل والمطبخ تجد كل شىء حاضرا فى المناقشات والمشاحنات العائلية، من الزواج المختلط بين المسيحى والمسلمة إلى الهجرة إلى النظام السياسى اللبنانى الطائفى، رغم أنه فى نفس الوقت يدعى أنه يواجه الطائفية، أين ضاعت بضعة آلاف من الدولارات من الذى سرقها؟ كان هذا هو الحادث الكاشف لنرى أن تحت هذا السكون العائلى تكمن براكين الغضب والتوجس، تأتى فى النهاية المفاجأة أن ربة المنزل التى تبدو أمامنا امرأة قوية مدركة لكل التفاصيل أودعت المبلغ فى البنك ونسيت، لنٌمسك المسكوت عنه فى العائلة وفى الوطن.
ونأتى إلى جائزة أفضل فيلم غير روائى، المقصود به الوثائقى، من نصيب (طعم الأسمنت) للمخرج زياد كلثوم، الذى يتناول معاناة العمال السوريين فى لبنان، أصبح الأسمنت ورائحته جزء من التعاطى اليومى لهم، هم يعيشون فى بيروت ولكن قلوبهم فى سوريا يتابعون ما يجرى على أرض الوطن الجريح، ونتابع حكاية عامل الأسمنت الذى كان والده أيضا يمارس نفس المهنة فى أعقاب الحرب الطائفية فى لبنان، الفيلم ينحاز للثورة السورية مثل فيلم (آخر الرجال فى حلب) للمخرج فراس فياض، ليواصل مهرجان (دبى) مساندة الشعب السورى الذى يرنو للحرية، والجائزة التى حظى بها الفيلم ليست سياسية ولكنه يستحقها. المؤكد أن السينما السورية حاولت التواجد بالأفلام المؤيدة لبشار مثلما رحب مهرجانا القاهرة وقرطاج بأفلام تبيع بضاعة دعائية، بينما مثلا مهرجان (مالمو) فى السويد للسينما العربية، وكما روى لى رئيس المهرجان محمد القبلاوى، يرفض تماما تلك الأفلام.
وكالعادة جائزة التمثيل ذهبت للسينما المصرية لمنحة البطراوى. الحقيقة أن المخرجة هالة القوصى فى فيلمها الأول (زهرة الصبار) وضعت ممثليها على طريق الألق فى فن الأداء مثل سلمى سامى ومروان العزب. السينما المصرية فى غضون أربع سنوات، حققت أربع جوائز تمثيل العام الماضى (على معزة وإبراهيم) للممثل على صبحى، وقبلها منة شلبى فى (نوارة) وياسمين رئيس فى (فتاة المصنع)، وكأننا نحتكر جوائز التمثيل لصالحنا، وتلك حكاية أخرى.