عزيزة أمير.. عندما تتلخص "صناعة السينما" في امرأة

فاتن الوكيل

العديد من رموز الفن والثقافة في مصر عاشوا في أوائل القرن العشرين واعتبروا روادا في مجالهم. استطاعوا أن يُجعلوا مصر تُجاري العالم بشكل سريع في صناعة السينما، وعلى عكس الشائع والمتوقع من سيطرة الرجال على أي مجال في بدايته بشكل مطلق، فإن دور المرأة المصرية تخطى فكرة المشاركة في صناعة تاريخ الفن المصري، إلى أن أصبحت المرأة رائدة في هذا المجال، وسبقت فيه الرجال أيضا، من بين هؤلاء الفنانة المصرية عزيزة أمير، التي تعتبر من رائدات العمل في صناعة السينما على مستوى مصر والعالم أيضا، ويوافق اليوم 17 ديسمبر ذكرى ميلادها.

(1)

ولدت عزيزة أمير في دمياط عام 1901، اسمها الحقيقي مفيدة محمد غنيم. تربت في الإسكندرية بعد وفاة والدها وقضت فيها فترة طفولتها، إلى أن انتقلت إلى القاهرة، وعاشت في شارع خيرت بحي السيدة زينب. وكان سبب هذا الانتقال هو العرض الذي تلقته من معلمة البيانو الخاصة بها، بالعمل في إحدى الصالات، بعد تفوقها في العزف على هذه الآلة.

لكن البيانو لم يكن هو المصير الفني الذي خلد اسم عزيزة أمير، فبعد فترة قصيرة قضتها في التعليم والدراسة، استطاعت أن تقف لأول مرة على خشبة المسرح، وذلك عام 1925، بعد انضمامها إلى فرقة رمسيس وعملت مع الفنان الكبير يوسف وهبي، وسبق هذه المرحلة فترة من التثقيف والتعليم أتقنت خلالها “أمير” اللغة الفرنسية وسافرت إلى أوروبا مع أحد الشخصيات السياسية والصحفية.

نرشح لك – يوسف وهبي.. الفنان الذي وجد “حب عمره” يوم إشهار إفلاسه

(2)

تأتي بعد ذلك مرحلة الانطلاق السريع لرائدة صناعة السينما في مصر، حيث قامت ببطولة أول مسرحية لها أمام يوسف وهبي وهي “الجاه المزيف”، ثم “أولاد الذوات”، وعلى الرغم من أنها شاركت في العديد من الفرق المسرحية الأخرى، مثل فرقة نجيب الريحاني، وفرقة عكاشة، وقامت ببطولة مسرحية “أهل الكهف” وهي أول مسرحية للفرقة القومية المصرية، إلا أن هذه المرحلة الهامة كانت بداية وانطلاقة لمرحلة أهم في حياتها وفي تاريخ السينما المصرية على حد سواء.

شغف التجربة الأولى، والمخاطرة التي تمنح لصاحبها السعادة، من أسباب قيام عزيزة أمير بإنتاج أول فيلم مصري صامت، بالإضافة إلى قصة مرضها الذي دفعها إلى حث زوجها على شراء آلة عرض سينمائي وكاميرا تصوير للتغلب على ملل الجلوس في المنزل لفترة طويلة، فقامت من خلالها بتصوير أصدقائها، وهو  ما أوحى إليها بالعمل في السينما، فجاء فيلم “نداء الرب” عام 1926، الذي أعيد إنتاجه عام 1927 باسم “ليلى”، وعلى الرغم من أن الفيلم أنتج في 16 نوفمبر، وسبقه فيلم “قبلة في الصحراء” لإبراهيم لاما الذي أنتج في مايو من نفس العام، إلا أن المؤرخين والنقاد اعتبروا فيلم “ليلى” الأول بسبب إنتاجه المصري.

نرشح لك – حسن يوسف.. الرجل الذي فقد “خفة” ظله

الفيلم حمل في نسخته الأولى اسم “نداء الرب”، وأخرجه المخرج التركي وداد عرفي، وقام أيضا ببطولة الفيلم أمام عزيزة أمير، لكن بعد عرضه لأول مرة، أدركت أنها تستطيع تقديم أفضل من ذلك، فقامت بإعادة تصوير الفيلم واستبعاد وداد عرفي من الإخراج، ليحل مكانه استيفان روستي وأحمد جلال وحسين فوزي، واستبدلت “عرفي” من التمثيل في الفيلم بـ أحمد علام، ومنحت الفيلم اسم “ليلى”.

حضور العرض كانوا على قدر الحدث، فعرض أول فيلم مصري صامت، استحق أن يحضره كل من “طلعت حرب، وأحمد شوقي، وأحمد لطفي السيد، وحافظ إبراهيم”.

(3)

نرشح لك – رأي صادم من أحمد مظهر في “الناصر صلاح الدين”

تعددت أفلام عزيزة أمير سواء من خلال الإنتاج أو قيامها بدور البطولة، فقدمت أعمال بمشاركة زوجها في هذه الفترة، المخرج محمود ذو الفقار، مثل “الورشة”، و”بائعة التفاح”، و”هدية”، و”الفلوس”، و”حبابة”، و”ابنتي”، وكان عملها “فتاة من فلسطين” الذي قامت بإنتاجه ومشاركة يوسف جوهر في كتابة القصة والسيناريو والحوار الخاص به، الأول في تناول قضية الصراع العربي الصهيوني، وقد قامت محمود ذو الفقار ببطولته مع الفنانة سعاد محمد عام 1948.

من بين أفلامها أيضا، “فوق السحاب”، “شمعة تحترق”، “نادية”، “قسمة ونصيب”، وآخر أفلامها هو “آمنت بالله”، الذي قام محمود ذو الفقار بإخراجه، وشاركت هي في كتابة السيناريو والحوار الخاص به، وتوفيت عزيزة أمير قبل مشاهدته في السينما، حيث رحلت في 28 فبراير 1952.

(4)

التكريم جاء سريعا وفي حياتها، حيث عقد عام 1936 أول مؤتمر لمناقشة صناعة السينما في مصر، وخلاله تم تكريمها بصفتها أول مخرجة مصرية، ورائدة في الإنتاج والصناعة بشكل عام، وحضر طلعت حرب المؤتمر، حيث وقف الحضور تكريما لها، فقالت: “يكفيني فخرًا أن صناعة السينما تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الفدية والقربان لهذا التقدم”.

نرشح لك – محمود الليثي.. “الزفت فؤاد” يكتب شهادة ميلاد “دكتور سعد”

وجدت عزيزة أمير التكريم الذي تستحقه، في حياتها، وهو أمر جيد ومقدر من قبل أي فنان، لكنها بسبب الوفاة المبكرة، لم تجد من يتذكرها بعد ذلك كرائدة في مجال السينما، فبالنظر إلى مسيرتها، تجد أن كلمة صناعة السينما تتجسد في امراة واحدة، ليس فقط من حيث التمثيل والإخراج والكتابة، لكن من خلال اهتمامها بالتفاصيل التي تدور حول هذه المهنة، فبسبب معايشتها لظروف تصوير الأفلام، قررت عام 1928 إنشاء إستوديو هليوبوليس الذي صورت فيه فيلمها “بنت النيل”،  لتتمكن من خلال عمرها القصير نسبيا في فرض سيرتها المميزة على تاريخ صناعة السينما.