نجح مسلسل “سابع جار” أن يخطف الترند عدة أيام وهذا من بداية عرضه حيث البداية من بساطة التناول للعلاقة بين الجيران والأهل، ثم صمد في الترند بعد أن اتخذ منحنى جديد لفئات الشباب والفتيات والتحرر والذي أصاب فئات كثيرة من المتابعين للعمل بالصدمة والذهول والاستغراب من باب “احنا ما اتفقناش على كده، احنا اتغفلنا” ثم استكمل على هذا المنحنى بشكلٍ تصاعُدي فاستمر حديث مواقع التواصل الاجتماعي، ومرورًا بمنعطف الترهل الذي أصاب العمل ووتيرة الأحداث فاستمرت موجة الجدل حوله حتى هذه اللحظة.
وفي طيات تلك التحولات وصل المسلسل إلى مرحلة “القطبين” الأهلي والزمالك كما هو الحال في أغلب الأحيان، انتهى إلى فريقين وصل الأمر بينهم لحالة عداء وتراشق وسخرية.
نرشح لك: “بنات” إعلام دوت أورج يكتبن عن “بنات” سابع جار
الفريق الأول يعتبر نفسه تيار الواقعية والمنطقية هو يرى أن المجتمع ينضح بما هو أسوأ بكثير من تلك النماذج الموجودة بالعمل، ويتهم الفريق الآخر بين قوسين “المحافظ” بالسطحية ودفن رؤوسهم في الرمال والازدواجية بادعاء التدين والأخلاق والحفاظ على العادات والتقاليد ومظاهر التماسك المجتمعي وربما هم أنفسهم يفعلون هذا وأكثر بشكل منفرد.
الفريق الثاني يرى الأول يمثل هوجة الأجيال الجديدة التي تنساق خلف كلمة “حرية” دون وعي وفهم دقيق لما تحمله تلك الكلمة من تفصيل وطبيعة للظرف وفهم الواقع والتطورات التي حدثت في الشارع المصري وكان للدراما والسينما فيها سهم كبير.
فلذلك أصبحت أتخيل أن يأتي يوم وتحل الدراما محل بطاقات الهوية الشخصية، فربما نجد هذا يحمل id عائلة شلش أو أرابيسك أو ليالي الحلمية، وآخرين يحملون سابع جار وإلخ إلخ وسوف يستدل على الشخصية بال id الخاص وطريقة الملابس ما بين كلاسيكية بالطربوش والبدلة وما بين الجينز المصاب بعدة رصاصات نافذة أعلى الركبة وأسفلها وسيحتدم الصراع وربما ينتهي لاختراع طالب منوفي لعبة صراع الأجيال على ال play store والتي من خلالها تستطيع اختيار الملسلسل والشخصيات والأزياء ومحاربة الآخرين وشتمهم وتمزيق ملابسهم!
وحتى لا يأخذنا عالم الفانتازيا والخيال ونظرة القدم والحداثة والغربي والشرقي هناك نقاط لابد من الحديث عنها بشكلٍ مُحدد للفصل في المسألة:
1- الفن والدراما كجزء أصيل من الفن لا تعرض آيات قُرانية ولا نصوص مقدسة كما شاهدنا في “ألش” فيسبوك الذي يصيب النفس بالميوعة، الدراما ليست امتدادًا لخطبة الجُمعة أو عظة الأحد لكن الدراما فن والفن أحد مهامه تحويل وتطويع المشكلات من كونها مادة خام لا تصلح للهضم بشكل مباشر وإعادة صياغتها وتشكيلها بما يناسب التلقي والهضم وبما يناسب كلمة “فن” من جمال وروعة.
2- وانطلاقًا من مبدأ حرية الرأي المكفول للجميع فلا أرى أي منطق يجعل نقد عمل فني أو درامي تخلف ورجعية وظلامية، وبما أن الدراما ليست وحيُ يوحى ولا نص سماوي كما اتفقنا فمن الطبيعي أن تتعرض للنقد وحتى أحيانًا للهجوم كما حدث منذ القدم وسيظل يحدث وفي جميع دول العالم.
3- تستطيع أن تصنع من الليمون شرابًا حلوًا ومن مجموعة مخلفات منزلية إلى قطعة فنية، لكن حال جمعك لكل تلك المخلفات على نفس الهيئة داخل صندوق أسود كبير فمن الطبيعي أن أقول لك أنه صندوق “قمامة” وليس فن سيريالي أو عمق ضارب في مؤخرة الصندوق !
4- هناك نقطة بالتأكيد غابت وسط الزحام والتراشق وهي أن هناك فرقًا هامًا وواضحًا بين المعروض على شاشة السينما والمعروض على شاشة التلفزيون سوف تؤدي لحسم جزء كبير من الصراع وهذه الكلمة منقولة بالنص “لصلاح أبو سيف” مخرج الواقعية داخل حوار طويل منشور في كتاب “قمم مصرية” للأستاذ نبيل أباظة.
5- إن كان للدراما تأثير كبير على قطاعات واسعة من المجتمع كما نحن متفقين لكن بالتأكيد الحياة أوسع وأكثر مأساوية وأكثر دراما، وهي أحد الأسباب لكن بالتأكيد ليست كل الأسباب المؤدية لانهيار الأخلاق والقيم وانتشار ظواهر مفزعة داخل المجتمع، وكما يجب الحديث عنها ونقدها يجب النظر والنقد لكافة الأسباب المؤدية لتلك الظواهر الغريبة ومعالجتها من باب العدل والإنصاف.