طالعت منذ أيام مقالاً نشر بالموقع الموسوم “ضفة ثالثة”، تحت عنوان “مؤسسات الإنتاج السينمائي في الجزائر: العلب السوداء”، وقد تناول الكاتب ما اعتبره “فسادا مالياً” في مؤسسات الإنتاج السينمائي بالجزائر، والأمور محموداً كفعل نقدي يؤسس للنزاهة، لكن بشرط أن يعتمد على معطيات حقيقية، واطلاعٍ كاف على الفعل السينمائي، فضلًا عن ضرورة أن تعتمد القراءة على النزاهة العلمية، وتبتعد عن السرقات الأدبية و القراءات ذات الغرض.
نرشح لك: محمد علال يكتب: من يحكم أداء لجان التحكيم!
دواعي اهتمامي بهذا المقال عائدًا أساساً إلى عدة عوامل، تتعلق بعدم الدقة والنزاهة، في الصياغة والمعلومات الواردة فيه، وسوف أحاول الوقوف على ما أرى انه بحاجة إلى تصويب وتصحيح، فضلا عن تفنيد بعض المعلومات المغلوطة التي ضُلل بها قراء “ضفة ثالثة”، لاعتماد الكاتب على خياله الشخصي عِوَض تدقيق معلوماته بشكل كاف، فالمقال يحتوي على عبارات مطاطة غير دقيقة ولا محددة، ولا ادري كيف قبل الموقع بنشرها، ويمكن هنا تقدم بعض الأمثلة:
1- يقول الكاتب في الفقرة الثالثة من مقاله ما يلي:
“… على الأقل هذا ما يظهر حسب التسلسل التاريخي المنطقي،أما بخصوص صلة القرابة، حسب ما يظهره اللقب الواحد، فلا يمكن أن ،أؤكد أو أنفي” ..؟!.
كيف لكاتب مقال في موقع يشرف عليه عدد من المثقفين العرب ان يقبل مثل هذه العبارات في مقال نقدي ؟! و ما الذي يدعوا كاتبا ما، أن يورد اتهاما مرة بالإيحاء و أخرى دونها، ثم يقو انه لا ينف ولا يؤكد الاتهام، وما الذي يدعوه لتمرير معلومة لا يمكنه نفيها ولا تأكيدها ؟!، ومنذ متى تنشر الصحافة معلومات من هذا النوع تحت وصف مقال، لتؤسس لاتهام بالفساد، ضد مبدعين كل ذنبهم أنهم يحملون اسما مطابقا لأسماء مسؤولين ؟! دون أن تقدم دليلا قطعيا حول الأمر أو تجري تحقيقا صحفيا نزيها !
2– يمعن الكاتب مرة أخرى، للاستمرار في مسار الكسل العقلي ليقول : ” من الصعب حصر عدد مؤسسات الإنتاج السينمائي في الجزائر، برقم معين”،!! هنا نطرح سؤالا حول الكاتب (الصحفي)، ومسؤوليته عن تقديم معلومات موثقة لقراءة، فإذا كان الوصول للمعلومة الدقيقة أمراً ممكنا لأي إنسان عادي. (متهم) في عصر الثورة المعلوماتية فما بال كاتب يصف نفسه بـ “الناقد السينمائي”، لا يملك أدنى معلومة تتعلق بموضوع مقاله (كعدد شركات الإنتاج)، التي كلف نفسه بمنحها صفة “العلب السوداء “؟! لن أتصور انه يرهق نفسه بالعودة إلى المؤسسات المعنية بحصر “السجل التجاري لشركات الإنتاج” لكن على الأقل كان يمكنه فقط مطالعة النسخة الخاص بـ “دليل المؤسسات الإنتاجية السينمائية في الجزائر” الذي يحتوي على جدول واضح و مفصل بعدد وأسماء بل و أرقام هواتف الشركات الإنتاجية العاملة في الجزائر .! .
3– مغالطات كثيرة واتهامات مجانية يقدمها كاتب المقال بشكل واضح ضد مؤسسات وشركات بعينها، دون أن يقدم أية أدلة تسند أحكامه الجزافية، حيث يقول في فقرة من المقال : أن شركة طاسيلي التي يملكها المخرج رشيد بوشارب، قد استفادت من عشرات المليارات في عز البحبوحة المالية، لكنها لم تصرف ولو سنتيما واحدا في عز الأزمة المالية”!
4– فضلا عن ان هذا الاتهام عار تماماً عن الصحة، فهو يكشف في الآن نفسه عن جهل الكاتب بالإنتاج السينمائي العالمي، فهذه الشركة الجزائرية ذات البعد العالمي، قد أسهمت في ذات الفترة التي يذكرها الكاتب، في تمويل و إنتاج عدد من الأفلام، ثلاثة منها شاركت في مسابقة مهرجان كان السينمائي العالمي، (العام الماضي)، بل انها المنتج المشترك للفيلم العربي الوحيد المرشح لمسابقة الأوسكار هذا العام، ( فيلم “القضية 23) للمخرج زياد الدويري، ومن الغريب أن تغيب معلومات بديهية كهذه عن ذهن كاتب المقال، سيما وأنها موفرة على موقع شركة بوشارب على الإنترانت و يمكن الوصول إليها بكبس زر واحد هنا رابط لتسهيل المهمة، والوصول لمعلومات دقيقة
5– وفي خلط من نوع آخر يورد لنا الكاتب مطالبة غريبة شكلا ومضمونًا، متسائلاً: ” هل سيتدخل مجلس المحاسبة ويفتح تحقيقا”، ما يؤكد جهله أيضا عن دور مجلس المحاسبة، حيث ليس منوطا بهذا المجلس قانونا، فتح اي تحقيق، ودوره ينحصر في تقديم تقرير سنوي لتسيير المال العام ومراجعة الميزانية،و كل سنة يصدر تقرير يراجع فيه ميزانية الدولة عبر جميع الوزارات و ليس فقط وزارة الثقافة بل حتى وزارة الدفاع، وآخر تقرير صدر عام 2015 . وان فتح التحقيق منوط بالجهات ذات الاختصاص، سواء بعد تلق بلاغات أو اعتمادا على تقارير مجلس المحاسبة.!
6.- ولأن الخاتمة كما المبتدأ تأتي خلاصة المقال لتكشف عن عمليتي النسخ واللصق التي يقوم بها غالبا نقلا عن صحف ومواقع دون الإشارة للمصدر، بل وبطريقة ركيكة وغير مهنية، حيث يقوم هذه المرة ، بإعادة نسخ ولصق لتقرير نشرته جريدة “الخبر”، دون الإشارة لها بالطبع، ويعيد تركيبه، التقرير منشور في عدد 16 ديسمبر 2017. بعنوان:” أطنان من الكتب مهملة وأفلام تمول بلا رقابة. هنا، حيث يمكن من خلال الموضوع الأصلي كيف تلاعب كاتب ” ضفة ثالثة” و خرج لنا بمقاله الركيك، بل انه وفي فقرة أخرى، اكتفى في نسخ و لصق نص قانون قديم يعود 2011 دون بذل أي جهد،و عن جهل بأن النصوص تم تعديلها أصلا. !! فأين الأمانة العلمية والدقة و أين شرط النزاهة وهو الذي يكتب عنها ويتهم من أراد دون وجه حق .. اليس هنا ثمة فساد يمارسه ؟!
7– يمكن ملاحظة ان الكاتب يخلط كثيرا بين العناوين و الأسماء و المعلومات بشكل مبالغ فيه، ما يؤكد ان المقال لا يعتمد شروط الدقة النقدية، والأمانة العلمية، فيكتب مرة فيلم” البرنوس المحروق” و في الحقيقة لا يوجد فيلم بهذا العنوان أصلا بل يوجد فيلم” نسومر”،و يقع في أخطاء من نوع أخر و يكتب رشيد بن حاجز بدلا من رشيد بن حاج .. الى غيرها من الهفوات التي تؤكد ما ذهبنا اليه .
8– بالرغم من اختلافي ومعارضتي الشديدة لسياسة وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي،(و قد سبق لي ان كتبت مقالات قاسية حولها و هي في منصبها ،يمكن مراجعة الأرشيف)، إلا أن الحقيقة يجب أن تقال،فعلى عكس ما روى الكاتب عن ملابسات انتاج فيلم”غروب الظلال” و هو العنوان الحقيقي للفيلم و ليس “شفق الظلال”كما جاء في المقال-، فان موقف الوزيرة السابقة حول ظروف انتاج هذا الفيلم، ينبغي ان يعتبر من أكثر المواقف التي تحسب لها ،حيث رفضت تنصل المخرج لخضر حامينا، عن التزاماته الموقعة مع الوزارة تحت إشراف لجنة مختصة، والمتعلقة بتخصيص مبلغ قدره 50 مليار سنتيم مقابل انتاج الفيلم، إلا ان حامينا ورغم ارتباطه بهذا الالتزام (العقد) مع اللجنة المختصة عاد ليطالب بشكل جزافي مضاعفة المبلغ، ليصل 100 مليار سنتيم، الامر الذي يعد نكوصا عن التزام رسمي وتبديدا للمال العام، وهو ما رفضته تومي تماماً، ( كما نص عليه تقرير اللجنة المختصة برئاسة لمين مرباح )، حيث نص التقرير المالي للجنة على “ان الفيلم لا يحتاج الى هذه الميزانية الضخمة لإنتاجه “، وطالب التقرير المخرج حامينا الى الالتزام بتعهداته المالية لإنجاز العمل، مما دفع الاخير أى استغلال علاقاته الشخصية، والاتصال بالرئيس بوتفليقة شخصياً، ليأمر الأخير بتمويل الفيلم كما طلب حامينا و قد جاء التمويل من الرئاسة رغم أنف خليدة تومي و لمين مرباح .
9-امعانا في “الكسل العقلي” أو الخلط المتعمد، نجد الكاتب يقدم معلومات مغلوطة جدا، بخصوص مشروع فيلم الوزيرة الفرنسية السابقة “يامينة بن غيغي” حيث يعود إلى ملابسات فشل مشروعها،و يقدم معلومات خاطئة تماما،حيث المعروف أن رفض المشروع جاء من قبل المخرج لمين مرباح و لجنته و ليس من طرف خليدة تومي كما يشير المقال،و قد دفع لمين مرباح ثمن رفضه،و دفع نحو تقديم الإستقالة من منصبه بسبب ذلك،و حاولت اعضاء اللجنة دعم موقف لمين مرباح، مبررين ذلك لجهة أن السيناريو تضمن إساءة للجزائر.
10– يسخر كاتب المقال من عدة أفلام جزائرية، دون تبرير موضوعي ممنهج، كـ فيلم “غراغوز” لعبد النور زحزاح، الذي يحاول الكاتب عبثاً وصفه بالفشل، في حين افتك هذا الفيلم أزيد من 30 جائزة في مهرجانات دولية عدة، الأمر كذلك بالنسبة لفيلم “مسخرة” لإلياس بوسالم، الذي حاز على عشرات الجوائز في مهرجانات معتبرة من بينها جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي .
11– أمرا آخراً يلفت نظر القارئ الحصيف ان الصورة المرافقة للمقال المشار اليه، هي صورة لـ “مهرجان كان” السينمائي، بالرغم أن لا علاقة للموضوع بكان بل بالسينما الجزائرية!!
12– كما ان المعالجة المفترضة للفساد المالي في شركات الإنتاج تضمنت (كما أشرنا ) الى عشرات المغالطات و الأخطاء و الكذب و الاتهامات التي من المفروض أن تقود كاتب المقال نحو العدالة .و لكن هيهات أن يحدث ذلك فالكاتب، يجيد العزف على نغمة الشفقة والمظلومة، كلما اكتشف أمره راح يبكي و يقول” حقروني”، حدث ذلك عدة مرات و كان يسوق دائما لروايته الكاذبة السخيفة،حيث يقول أنه كان مشردا و لم يدخل الجامعة،لهذا نجده بين الحين و الأخر يهاجم بحقد شديد الطلبة و أصحاب الشهادات، و لسان حال المشهد هو المثل الشعبي الجزائري”ملحقش للعنب قال عليه قارص”.
13– أود تذكير فقط أن كاتب المقال سبق و أن وصف فيلم “فتاة المصنع” لمحمد خان بانه فيلم تلفزيوني لا قيمة فنية له، و وصف المخرج كوستا غافراس بـ “الضيف غير المهم”، من الواضح انه يصف الأفلام التي لا يشاهدها أو لا يفهمها بأنها” أفلام تلفزيونية”.
14– أخيرا عليّ أن أعترف أن الأخطاء و المغالطات التي تضمنها المقال، لا عد ولا حصر لها وصراحة قد أرهقني المقال و أتعبتني المغالطات التي تضمنها و لم أستطع التعليق عليها جميعا، و أكتفي بهذا القدر.
ملاحظة: أود التنويه إلى أن موقع “الضفة الثالثة” يجمع العديد من الأقلام العربية الرائعة و المتخصصة في مجالها، والتي اعتبرها فعلا مدرسة حقيقة في الكتابة، وقد حز في قلبي أن أجد هذا الهراء بين الدرر البهية.