رغم كونه من أقوى المواسم إنتاجا بعد تجاوز حجم الإنفاق خلاله رقم المليار جنيه! بعدد مسلسلات تجاوز الثلاثين عملا، إلا انك من الصعب أن تتذكر عدد كبير من أعماله جذبت المشاهدين فنيا، فمعظمها للأسف لن تتذكر أسماءها أو عن ماذا كانت أحداثها، بعد أن أصبح الجميع يعملون بمنطق “تعبئة” الوقت ويعتمدون في الأساس على أسم البطل أو البطلة لترويج المسلسل إعلانيا أما المحتوى فأخر شيء يتم التفكير فيه! وأتخيل أن المنتجين أصبحوا لا يقرأون الحلقات لضيق الوقت وأيضا لعدم الإهتمام بعد أطمئنوا لبيع المسلسل للفضائيات الباحثة عن أعمال لتعبئة الوقت في الموسم الإعلاني الأكبر في العام “شهر رمضان” والذي يشهد بمفرده عرض نحو 70 % من حجم الإنتاج الدرامي، إلى جانب غياب المنتج “الفنان” الذي لديه القدرة على إختيار “الورق ” الجيد دراميا فيكتفي بسماع القصة أو رأي نجم العمل في الموضوع ويتم التعاقد! واللافت أننا شاهدنا صراعا على جمع توقيعات النجوم والنجمات قبل أن ينتهي شهر رمضان على الرغم من يقينهم الداخلي أن الأعمال دون المستوى الدرامي الجيد! ولكن سباق المنتجين على الفوز بتوقيعات النجوم كان غريبا!
شاهدنا خلال العام كم إنتاج كبير نصفها كان لنجوم كبار ولكن “المفاجأة” أن النجاح كان حليفا خلال شهر العرض الأول “رمضان” لنجوم الظل والشباب ومسلسلات خارج التوقعات فرضت نفسها وجذبت الجمهور، على رأسها المسلسل الأفضل “فنيا” في العام “هذا المساء” للمخرج الموهوب تامر محسن والذي قدم أبطاله بشكل جيد جدا وصنع سيناريو وحوار على مستوى عالي وأعاد إكتشاف أبطاله ايضا على رأسهم حنان مطاوع ومحمد فراج وأحمد داود واياد نصار واروى جودة وأسماء أبواليزيد، جماهيريا كان النجاح حليفا لأعمال مثل “ظل الرئيس” والذي أعاد إكتشاف ياسر جلال للمخرج أحمد سمير فرج و” كلبش” أيضا أعاد التألق لأمير كرارة مع المخرج بيتر ميمي اللافت أن تكلفة الأعمال الثلاثة لا توازي عمل من أعمال السوبر ستار! كذلك لفت النظر مسلسل 30″يوم” لأسر ياسين وباسل خياط واخراج حسام علي “بحبكة” بوليسية مشوقة وجيدة وأيضا ظهر مسلسل “كفر دلهاب” بمستوى إخراج متميز لأحمد نادر جلال، وجاءت معظم مسلسلات نجوم الدراما بمستوى متوسط أو أقل من متوسط أيضا! فبعضها كان بدايته جيدة ولكنه فقد “بوصلة” الطريق سريعا ولم يكمل بنفس مستوى البدايات، فأنصرف الجمهور عنه.
مفاجاة أخرى درامية شهدتها الشهور الأخيرة لعام 2017 وهي النجاح الجماهيري لعدد من المسلسلات كانت ذات مستوى جيد جدا وفاقت توقعات صناعها وبعضهم خرج من سباق رمضان الدرامي في اللحظات الأخيرة لصالح أعمال النجوم ولكن كما يقولون “رب ضارة نافعة” وهو ما حدث مع مسلسلي “بين عالمين” و “الطوفان” ليحققا نجاحا كان من الصعب جدا تحقيقه لو عرضا في موسم رمضان المزدحم وأيضا “عائلة زيزو” قدم كوميديا إجتماعية جيدة وقبل رمضان نجح أيضا جماهيريا “الأب الروحي1 ” و “اختيار إجباري”.
وأتخيل لو اتخذ بعض السوبر ستار قرارا شجاعا وقرروا عرض أعمالهم في موسم خارج رمضان هنا فقط سيحدث التحول ويتم توزيع الإنتاج الدرامي بعيدا عن موسم رمضان طوال العام وهو المفروض لضمان تحقيق مكاسب من الإعلانات التي لا توازي حجم الانتاج الكبير في شهر رمضان.
كبوة السينما هل تنتقل للدراما؟
كلنا يتذكر الماضي القريب وأزمة الانتاج السينمائي الكبيرة التي شهدتها حقبة التسعينيات وتراجع الإنتاج في هوليوود الشرق، الأن يشهد الإنتاج الدرامي تراجعا وأزمة كبيرة بعد أن لجأت الفضائيات بقرار شبه جماعي بتحديد أسعار لشراء الأعمال بأرقام لا تناسب مسلسلات السوبر ستار وتكلفتها والتي كانت يصل رقم بيعها إلى 100 مليون جنيه وأكثر لبعض المسلسلات ! وهو ما يتم رفضه الأن ووضع المنتجين الذي تسابقوا لجمع التوقيعات منذ عدة أشهر في مأزق، فبدأوا الحديث مع النجوم والنجمات لتقليل الأجور ليتم إعادة النظر في ميزانيات الأعمال فبعضهم رفض وتم تأجيل أعمالهم وبالفعل في رأيي معظم الأجور التي أعرفها مبالغ فيها جدا بأستثناء النجم الاسطوري للفن المصري “عادل إمام”.
مثلا أحد النجوم الشباب رفع أجره من 13 إلى 25 مليون جنيه عن العام الماضي رغم أن مسلسله لم ينجح! ونجم شاب أخر “في سنة أولى بطولة” يريد الحصول على 14 مليون جنيه في مسلسل رمضاني! وغيرهم الكثير وبالفعل منذ عامين كتبت أن رفع أجور النجوم والنجمات بهذا الشكل المبالغ فيه سيضر بالدراما ويدخلها في أزمة كبيرة وهو ما يحدث الأن وربما نشاهد تراجعا في كم الإنتاج الدرامي يصل إلى 50 % عن العام الماضي، وهو ما يؤثر على باقي عناصر صناعة الدراما من فنيين وعمال لا ذنب لهم، وتذكرنا الأزمة الحالية بما حدث في صناعة السينما، وبالتأكيد المنتجين هم المسؤولون أساسا عن ما حدث بسبب رضوخهم لمطالب النجوم التي لا تتناسب مع نجوميتهم وشعبيتهم، فمثلا معظمهم لا يستطيع تحقيق إيرادات توازي أجره الذي يطلبه في الدراما لو قدم فيلم سينمائي!! لأن شباك التذاكر هو الحكم هنا ويكشف حقيقة الجميع ولكن في الدراما لا أحد يعرف والجميع يهلل ويقول نجحت وأنا رقم واحد! طالما وجد منتج يوقع معه كل عام، يجب إتفاق لضبط الأجور أولا وثانيا العمل بشكل أفضل على إختيار النصوص الدرامية بوقت كافي ، فبعض الأعمال كان يتم تسليم حلقاتها أثناء التصوير!
نتمنى العمل على إنقاذ صناعة مهمة وأيضا العودة للقصص الإجتماعية المستوحاه من الواقع ولا مانع من عودة الإقتباس من الأعمال الأدبية القديمة التي صورت المجتمع بشخصياته وتفاصيل علاقاته بشكل رائع، وللاسف “موجة” الاكشن والساسبنس والتقليد بدون قصص إجتماعية مسلية لا تجذب متفرج التليفزيون لمشاهدة 30 حلقة، فالصورة والأكشن والإثارة مناسبين أكثر لشاشة السينما.
من الأمور الجيدة أنه لدينا عدد من الموهب الجيدة والواعدة في التمثيل وهو عنصر التميز الدائم في الفن المصري منذ قديم الأزل فالممثلين المصريين بعضهم يصل لمستويات عالمية في الأداء لو تم إدارتهم بشكل جيد وبالفعل شاهدنا تألق عدد من الممثلين الشباب والكبار وأيضا الوجوه الصاعدة.
وعلى مستوى الكوميديا لم يقدم نجومها المستوى المنتظر منهم رغم تاريخهم الكبير والسبب المباشر كان “الورق” السيء وكتبت حينها مقال بعنوان “الكوميدية الرمضانية تبحث عن مؤلف” حيث لم يرقى أيا من الأعمال لمستوى نجومه وجاء الثنائي أحمد فهمي وأكرم حسني الأفضل جماهيريا في الأعمال الكوميدية التي قدمت وكانا مفاجأة الموسم.