أحسست بوخز بأطرافى وأيدى تزيح وجهى يمينًا ويسارًا، فتحت عينى لكنى لم أرَ الأشياء واضحة، ثوانٍ وتنبهت الى الرؤوس المطلة من السقف تتابعنى فى قلق، انتبهت الى أننى ملقاة على سرير بأحد المستشفيات، لم أدرى كم مر من الوقت ولم أهتم، لم أدرى ماذا حدث، كان زملائى بالعمل قلقون بعدما رأونى أتكوم فى مكانى وأفقد الوعى فجأة، دقائق وحضر الطبيب، نظر إليهم فى قلق وأفاد أن الحالة لازم تدخل العناية المركزة!
رفضت ثم تجاوبت بعدما أصر مديرى للاطمئنان، لم أعرف تحديدًا ما وصلت إليه حالتى ولم أملك من الصحة لأستفسر، دخلت الـ”إن عاش” ولم أفهم لماذا؟ أمضيت الليل بين شدة الإعياء، فقدان الوعى أو النوم، قليل من الإدارك، كثير من الغثيان والصداع وألم الصدر وأعراض لم أفهمها، هكذا فجأة تتداعى كل أعضاء الجسم ولا تملك من أمرك شيئًا.
نرشح لك: 11 تصريحًا لـ مصطفى خضر.. أبرزهم عن مراكز تدريب “بير السلم”
استسلمت لصوت الجهاز المستفز الذى يربطنى بكثير من الأسلاك التى أكرهها، استسلمت للظلام والتعليمات، استسلمت لكثير من التحاليل والأشعة وتناول الوجبات بميعاد، كثير من الشك والشكشكة بالإجبار، ثم جاءنى طبيبان مبتسمان يقولان أنه لابد من إجراء عملية بسيطة بالقلب اذا ما تأكد قصور بالشريان التاجى، لأنهم بين ثلاثة احتمالات، لم أكن أتخيل فى يوم من الأيام أننى سأرقد فى غرفة عناية مركزة ليخبرنى الطبيب بما قال، ليس فى هذه السن على الأقل، غادر الطبيبان، ونظرت إلى النيل من خلف زجاج الغرفة، ألعن برود الممرضات فى المستشفى الفخمة، لا ينعم المريض بمنظر النيل في أثناء مرضه، لا ينعم بثمرة فاكهة يشتهيها في أثناء مرضه، لا يضحك لنكات الأصدقاء، يفقد كثير من إحساسه بالحياة عندما يتمرد عضو واحد من الجسد على استمراره فى الحياة.
حينها فقط أدركت قيمة كل شئ فى الحياة، مهما بدا عاديًا، مهما بدا صغيرًا وتافهًا، أن تضحك من قلبك، أن تنظر إلى النيل وتسرح فى مستقبلك، أن تأكل ما تحب متى تحب، أن تملك وقتك فتحدده على مزاجك، وكأنك حقًا تملكه وتستطيع تحديد المواعيد دون حدوث مانع، أوهام نعيشها كل يوم ونسميها أجندة، يوفقنا الله فتتحقق أو يتحقق القدر كما يشاء الله، تنهال الكثير من المكالمات والزيارات، وأدرك فى النهاية أن لن يستطيع أحد حملى مثل ساقى، تمنيت من الله بشدة أن يسترنى، تمنيت بشدة الشفاء وأحسست بألم كل مريض فى قسم الـ”إن عاش” على اختلاف أمراضهم، تمنيت أن أعود إلى حياتى الروتينية التى أملها ولا أقدرها حق قدرها، بدأت الحالة فى التحسن ونُقلت إلى غرفة عادية، بعد كثير من الفحوصات لم يفهم الأطباء ماذا حدث؟ جميع التقارير الطبية ايجابية وليست خطيرة وهذا ما يتنافى تمامًا مع حالتى، رُبما استجاب الله لدعائى بالستر وكان كل ما حدث إجهاد شديد! إجهاد شديد يتهاوى معه الجسد ولا يقوى على المقاومة!
نرشح لك: صوفينار.. صعود سريع وهبوط أسرع
كان لابد من ترتيب الأوراق، لا شيء فوق الصحة، لا شيء يساوى الصحة، ولا بمال الدنيا تستطيع أن تعوض عضوًا واحدًا تفقده، لقد خلق الله المرض لمعرفة قيمة الصحة، لتشكره عليها صباحًا ومساءً، لتنعم بها وتساعد من يستحق المساعدة، لتدرك أنك لا شيء، أنت لا شيء، فيروس لا تراه بالعين المجردة يستطيع أن يفتك بك، فلا تغتر بنفسك وتعلم فن تقدير الحياة جيدًا دون غرور.