حسام فاروق يكتب: أنا أكذب.. فأنا "نيويورك تايمز"

ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تهاجم فيها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مصر، فأجندة الصحيفة منذ 3 يوليو 2013 عدائية تماما تجاه الدولة المصرية الجديدة وكأنها كانت ترغب بقاء جماعة الإخوان الإرهابية في حكم مصر!!، ولم لا وهي الصحيفة ذات الافتتاحيات المسمومة التي فتحت صفحاتها لقيادات الجماعة الإرهابية سواء الهاربين خارج مصر أو حتى القابعين في السجون المصرية من خلال رسائل مسربة ولا نعلم كيف وصلت للصحيفة.

نشرت نيويورك تايمز مؤخرًا مقالا للكاتبين الأمريكيين أندرو ميللر، نائب مدير السياسات في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، والمحلل المتخصص في شئون مصر في وزارة الخارجية الأمريكية وريتشارد سوكلوسكي الزميل غير المقيم في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وعضو مكتب تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، المقال الذي كان عنوانه “حقيقة، مصر حليف سيئ” كشف عن تحيز وكراهية كبيرة من الصحيفة تجاه مصر وعكس من أول كلمة وحتى آخر كلمة رغبة الكاتبين والصحيفة في أن تكون القاهرة تابعا وليس حليفا والترويج إلى أن هذا سيكون أفضل لأمريكا وأن على الأخيرة أن تعمل لتحقيق هذا الهدف.

دعا الكاتبان إلى ضرورة تخلي الإدارة الأمريكية عن التحالف مع مصر في أقرب وقت لأن العلاقات بين البلدين تتباين، ولم يعد هناك ما يجمعها كما في الماضي، وأن القاهرة لا تصلح أن تكون حليفًا لواشنطن، وشددا على أن الأخيرة تضيع الوقت بسبب علاقاتها مع القاهرة، وأن أمريكا تضيع أموالها على دولة ليس لها قيمة -بحسب الكاتبين. ونصح الكاتبان نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس عندما يزور القاهرة في الأيام المُقبلة أن يكون واضحا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ويخبره بأن أمريكا في حاجة إلى إعادة ترتيب العلاقة، بدءًا من تخفيض كبير للمساعدة العسكرية الأمريكية، من 500 مليون دولار إلى 800 مليون دولار لأن ذلك سيوفر الكثير من الأموال على دافعي الضرائب، وسيبعث برسالة للمصريين تقول إن المساعدات الأمريكية لم تعد غير مشروطة.

نرشح لك: حسام فاروق يكتب: 5 “أكمنة” في إعلام عالمي يدعم الإرهاب

اتبع الكاتبان نموذجا ركيكا لأسلوب دعائي بغيض يعرف في علم الدعاية بـ “المعضلة الكاذبة” أو False Dilemma، والذي يبنى على أحد خيارين هما إما أن تختار الجاني وتصبح تابعا له، توافق على كل قراراته، لتنعم بثرواته ورحماته، أو تكون ضده تنتظر العقاب والتهديد والوعيد. وبهذا القياس يرى الكاتبان أنه على مصر إما أن تدور في فلك أمريكا وتقول “آمين آمين” أو تخرج من تحت سمائها وينكل بها وتقطع المعونات!”، فالسيدان “ميلر” و”سوكولسكي”، لا يريدان حليفًا مصريًا، ولكنهما يريدان “تابعا” يبارك قرار ترامب نقل سفارته للقدس ويرسل برقيات التهنئة أو يصمت خجلا من المساعدات الأمريكية.

عبر الكاتبان أيضا عن استيائهما من مصر بسبب الاتفاق المصري الروسي لاستخدام القواعد الجوية، معتبرين أن المصريين لم يراعوا الصداقة بسبب إعطائهم تسهيلات لهبوط الطائرات الروسية في القواعد الجوية، وعابا على مصر أنها تحذو حذو الموقف الروسي فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية خاصة في الملف السوري والقضية الفلسطينية، والسؤال: هل ينبغي على مصر حينما تقدم على إبرام معاهدة أو إقرار سياسة عامة أو مشروع قانون أن تأخذ الإذن والسماح من الإدارة الأمريكية؟!، فهل ترغب الصحيفة ومن وراءها أن تظل مصر حبيسة التنطُع والتكبر الأمريكي؟!

وفيما يخص ما أسماه الكاتبان بالتوافق مع الموقف الروسي في قضايا المنطقة، لماذا لا ينظر الكاتبان إلى المسألة من منظور آخر؟ واعتبار أن هناك توافقا روسيا مع القضايا العربية أو أن مصر تعلي مصلحة القضايا العربية وتتوافق مع من يتفق معها في الرؤية، فالقاهرة تتصرف وفق ما يتفق ورؤيتها السياسية المستقلة وهذا شأن داخلي، فأمريكا نفسها عندما اتخذت قرارًا بنقل السفارة الأمريكية للقدس، عللت ذلك بأنها تفعل ما يتفق ورؤيتها وسياستها الخارجية في الشرق الأوسط، رغم الإجماع شبه العالمي على خطأ هذا القرار ورغم ذلك لم تخرج نيويورك تايمز أو غيرها لإدانة القرار!! فلماذا تستكثر نيويورك تايمز على مصر أن تتخذ ما تراه مناسبا فيما يتعلق بوضعها الإقليمي؟! وتريد أن تُجبر الآخرين على سياسات ترفض أن تقبلها في أمريكا!، وسؤالي للكاتبين: لماذا ينظران ومن ورائهم الصحيفة ومن ورائهم جميعا أمريكا أن على مصر أن تختار بين أمريكا وروسيا؟ ولماذا تستكثر الصحيفة على مصر أن تختار “مصر” وحدها؟! ثم بعد ذلك أهلا ومرحبا بمن يتفق مع مصر ومصلحة مصر، أليست أمريكا نفسها تسير بمنطق “أمريكا أولا” و”أمريكا قبل كل شيء”؟! فلتذهب معونتكم للجحيم وتبقى المواقف.

ومن سبيل الاعتراض على مواقف السياسة الخارجية المصرية، قال الكاتبان إن مصر تدعم الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي يقف أمام القوات الأخرى التي تساندها الحكومة الأمريكية، والحقيقة أن مصر تحاول جاهدة في الملف الليبي حتى لا تتحول ليبيا إلى مرتعا للمليشيات الإرهابية، تصدر الإرهاب إلى جيرانها والعالم، وخليفة حفتر يسعى جاهدا لتطهير ليبيا من الإرهابيين، لكن يبدو أن هذا الأمر لا يروق ربما للصحيفة ومن وراءها، ولقد أعلنت الرؤية المصرية تجاه الملف الليبي هدفين أساسيين الأول هو حماية الأمن القومي المصري باعتبار ليبيا امتدادا للحدود الغربية المصرية والثاني مصلحة الشعب الليبي ووحدة وسلامة أراضيه وسيادته عليها؛ وبدلا من أن تعيب الصحيفة الأمريكية على الرئيس ترامب سياسته الخارجية الصادمة، انتقدت السياسة الخارجية المصرية في الملف الليبي لمجرد أنها ليست على الهوى الأمريكي!

ادعى الكاتبان -وليست هذه المرة الأولى في نفس الصحيفة- أن القاهرة تتعاون عسكريًا مع كوريا الشمالية، وهي المعلومة الخاطئة التي تم نفيها بشكل رسمي من الحكومة المصرية أكثر من مرة، وذكر المقال أيضا أن مصر رفضت أن تقوم القوات الأمريكية وخبراؤها بتدريب القوات المسلحة المصرية في سيناء لمقاومة الإرهاب، ونعتقد هنا أن مصر حرة في قرارها حينما تعلن أنها ليست بحاجة لوجود الأمريكان على أرضها “تحت أي عنوان” ولو أن هناك مجالا للتعاون في محاربة الإرهاب فليكن مثلا في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا بأنواعها، لكن لن تطأ قدم جندي أمريكي مصر ومن سيحرر مصر من الإرهاب مؤسسات الدولة المصرية، جيشها وشرطتها، وبأبناء مصر المخلصين وليس بالأجانب.

رأى الكاتبان أن يلعبا على التناقضات والمشكلات التي تعانيها مصر، فأشارا إلى أن البيت الأبيض يساعد الحكومة المصرية على دفع الشباب المصري للتطرف، ويجعل الشباب المصري ينظر إلى أمريكا نظرة عدائية، والسؤال: ألم ير الكاتبان وصحيفتهما مثلا في قرار دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة أبدية لإسرائيل سببًا كافيًا لأن يكره الشباب المصري والعربي الولايات المتحدة الأمريكية؟!

نرشح لك: حسام فاروق يفتح ملف الصحافة العالمية في “دائرة الضوء”

نيويورك تايمز التي عادة ما تنتقد الحياة السياسية في مصر وتتحدث كذبا عما تسميه “تدني مستوى الحريات” فيها، ليست هي نفسها عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية أو الأمن القومي الأمريكي، فبمثال قريب نشرت الصحيفة تقريرا عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، بعنوان “ترامب يبدو مشوشًا حول القدس” وتحدثت كثيرا على طريقة اللف والدوران دونما توجيه انتقاد صريح للرئيس الأمريكي وقراره الذي قلب الدنيا وتسبب في حنق وغضب والشعوب العربية، واكتفت الصحيفة بتوجيه النصح لترامب بأنه كان عليه أن يقنع القيادة الفسلطينية والقادة الأوروبيين بأنه ينوى نقل السفارة الأمريكية للقدس الغربية، على أن تظل القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.. وبدا واضحا مدى تحيز الصحيفة للقرار ولإسرائيل وتحاملها الشديد على العرب والفلسطينيين.

وفي خاتمة يمكن وصفها بالتحريض الصريح للإدارة الأمريكية ضد مصر لا يخلو من سوء نية وتحيز من قبل الكاتبين -وهو ما يثبت أن رأي الكاتبين والصحيفة ليس بالضرورة رأي الإدارة الأمريكية- لم يكتفِ الكاتبان والصحيفة الأمريكية بهذا الأسلوب البغيض بل قللا من الأهداف المشتركة بين مصر وأمريكا، محذرين واشنطن من كونها لم تعِ الواقع الجديد بأن مصر لم تعد ركيزة لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، ثم انتقدا دونالد ترامب على كرمه الزائد مع مصر ووصفه لها بالصديق الذي يمكن الاعتماد عليه، ووجها كلامهما لترامب قائلين إن أمريكا تحصل على “صفقة خاسرة” من مصر، وأن ذلك يبدو مثيرًا للسخرية من رئيس -وتقصد هنا ترامب- يصف نفسه بالمفاوض الجيد.. وأخيرًا، نصحا الرئيس الأمريكي ونائبه، بأنهما سيتمكنان من استعادة جزء من صورة أمريكا إذا أخذا بنصائحهما.

نيويورك تايمز رأت ما حدث بمصر في 30 يونيه 2013 بعيون جماعة الإخوان الإرهابية واتخذت موقفا واضحا منه واعتبرته انقلابا عسكريا من الجيش على الديمقراطية ولم تر الحشود المليونية التي قاربت الـ 33 مليون مصري خرجوا للشوارع -بحسب وكالات أنباء عالمية- ليقولوا لا لحكم الإخوان، ولم تدرك الصحيفة العريقة أن الديمقراطية التي تحدثت عنها ليست فقط صندوق الانتخابات، وبناء على هذه الرؤية المكذوبة خرجت ولا تزال كل الأطر التي تظهر بها صورة مصر في الصحيفة.