قالت دار الإفتاء المصرية، إن الاعتداء على الكنائس والتعدي على المسيحيين من أهل مصر وغيرها من البلاد الإسلامية نقض لعقد المواطنة، حيث إنهم مواطنون لهم حق المواطنة، وقد تعاقدوا مع المسلمين وتعاهدوا على التعايش معا في الوطن بسلام.
أضافت الدار في فتوى نشرها الموقع الرسمي لها، أن الإسلام دين التعايش، ومبادئه لا تعرف الإكراه، ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان، في آيات كثيرة نص فيها الشرع على حرية الديانة؛ كقوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، وقوله سبحانه: “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، ولما ترك الإسلام الناس على أديانهم فقد سمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها.
نرشح لك: بيان رئاسة الجمهور بشأن حادث حلوان الإرهابي
أكدت أن القرآن الكريم جعل تغلب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض، سببا في حفظ دور العبادة من الهدم وضمانا لأمنها وسلامة أصحابها، وذلك في قوله تعالى: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.
تابعت: “ذهب الإسلام لما هو أبعد من ذلك حيث أمر بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة فقال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، وعلى ذلك سار المسلمون سلفا وخلفا عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم؛ فهدم الكنائس أو تفجيرها أو قتل من فيها أو ترويع أهلها من الأمور المحرمة التي لم تأت بها الشريعة السمحة، بل ذلك يعد تعديا على ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وفاعل ذلك قد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصمه يوم القيامة؛ فقال: «ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس: فأنا حجيجه –أي: خصمه- يوم القيامة».
وأوضحت الدار أن الاعتداء على الكنائس والتعدي على المسيحيين من أهل مصر وغيرها من البلاد الإسلامية نقض لعقد المواطنة؛ حيث إنهم مواطنون لهم حق المواطنة، وقد تعاقدوا مع المسلمين وتعاهدوا على التعايش معا في الوطن بسلام وأمان، فالتعدي عليهم أو إيذائهم أو ترويعهم -فضلا عن سفك دمائهم أو هدم كنائسهم- فيه نقض لهذا العقد، وفيه إخفار لذمة المسلمين وتضييع لها، وهو الأمر الذي نهت عنه النصوص بل وأمرت بخلافه: قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”، وقال النبي: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، وقال ايضاً: «من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة».
وأشارت الدار إلى أن في هذه الأعمال وهذه التهديدات مخالفة لما أمر به الشرع على سبيل الوجوب من المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وهي المقاصد الشرعية الخمسة، ولهذه الأعمال من المفاسد ما لا يخفى؛ ففيه تشويه للصورة الذهنية عن الإسلام في الشرق والغرب وتدعيم للصورة الباطلة التي يحاول أعداء الإسلام أن يثبتوها في نفوس العالم من أن الإسلام دين متعطش للدماء وهي دعوى عارية من الصواب، وفي ذلك ذريعة لكثير من الأعداء الذين يتربصون للتدخل في شؤوننا الداخلية بغير حق.
وتابعت الدار: “استعمال القتل والترويع في هذه الأعمال التخريبية يسمى بـ”الحرابة”. وهي إفساد في الأرض وفساد، وفاعلها يستحق عقوبة أقسى من عقوبات القاتل والسارق والزاني؛ لأن جريمته منهج يتحرك فيه صاحبه ضد المجتمع. قال تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”.
ودعت “الإفتاء” لضرورة احترام المواطنة كمبدأ إسلامي أقرته الشريعة الإسلامية، وهي في صورتها المتفق عليها معمول بها في دساتير العالم الإسلامي وقوانينه، ومنها الدستور المصري الذي ينص في المادة الثانية منه على مرجعية الشريعة الإسلامية، وقد رسخ الإسلام مبدأ المواطنة منذ أربعة عشر قرنا؛ وهو ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وثيقة المدينة المنورة التي نصت على التعايش والمشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى.