ياسر أيوب نقلًا عن المصري اليوم
لكل ناد فى العالم جماهيره وأبناؤه وعشاقه ومتابعوه، ومن حق أى أحد من هؤلاء أن يرى أى ناد بالصورة التى يهواها ويرضاها وتنال إعجابه أو غرامه أو احترامه.
وعلى سبيل المثال أتوقف دائما أمام أتلتيكو مدريد.. هذا النادى الإسبانى العريق.. ولا تعنينى نتائجه الحالية أو أسماء وقدرات نجومه ومن الذى يديرهم، سواء فى الملعب أو خارج الملعب.
إنما يعنينى تاريخ هذا النادى وحكايته بكل ما فيها من تحدٍ وكبرياء وانتصار.
فهذا النادى الذى بدأ يلعب الكرة بالنيابة عن كل فقراء وبسطاء مدريد الذين وقعوا فى غرام كرة القدم وتأكدوا يوما وراء يوم من أن هذه اللعبة هى فرحتهم وهى العدالة التى يحتاجونها ويفتشون عنها فى مواجهة ريال مدريد نادى الأغنياء والطبقات الراقية.
واستمرت المواجهة الكروية والإنسانية بين الناديين فى العاصمة الإسبانية مدريد حتى جاء الجنرال فرانكو عام 1939 ليحكم إسبانيا بعد حرب أهلية طويلة كادت تدمر وتفسد كل شىء.
نرشح لك: القناة الوحيدة الناقلة لمباراة الأهلي وأتلتيكو مدريد
وأصبح فرانكو هو الديكتاتور، الذى سيحكم إسبانيا بالحديد والنار والقهر والعنف. وكان الجنرال فى البداية منحازا لأتلتيكو.. ولا أحد يعرف كل الأسباب والدوافع التى جعلت الجنرال فى البداية ينحاز لأتلتيكو فى مواجهة الريال.. هل كان السبب فقط هو ارتباط أتلتيكو بالقوة الجوية العسكرية.
أم كان هذا الانحياز أيضا بمثابة غزل لجموع فقراء وبسطاء مدريد فى شوارعهم الضيقة وبيوتهم المتواضعة.. وفجأة.. تكبر انتصارات الريال كناد للأغنياء.. ويأتى عام 1956 ليفوز الريال ببطولة أوروبا.. ويتكرر هذا الفوز خمس سنوات متتالية.وهنا يقرر الجنرال الديكتاتور التخلى عن أتلتيكو والانحياز للريال بحثا وطمعا فى وجاهة الانتصار.. وطالما أصبح الديكتاتور مناصرا للريال فقد سار خلفه الكثيرون، إما خوفا أو نفاقا لمن يملك السيف والذهب.
وكان من الطبيعى وقتها أن ينهار أتلتيكو.. لكن التف حوله فقراء وبسطاء مدريد وقرروا الصمود والبقاء حتى لو كانت مدريد وقصورها وحكامها لا يريدونهم هم وناديهم أيضا.
وإذا كان الريال بقى بطلا ليس فقط لإسبانيا إنما لأوروبا والعالم بعد ذلك.. وإذا كانت برشلونة قد امتلكت أيضا ناديها القوى والغنى الذى يتحدى مدريد وريالها وجنرالها وأصبح أيضا بطلا لإسبانيا وأوروبا والعالم.
وإذا كان هذا العالم لم يعد يرى فى إسبانيا إلا الريال وبرشلونة وينقسم بينهما.. فقد بقى أتلتيكو رغم كل ذلك رمزا للتحدى.. بقى دليلا على فرحة كرة القدم وضرورتها وإنسانيتها أيضا.. وكانت حكاية أتلتيكو فى مدريد واحدة من الحكايات التى توقف أمامها إدواردو جاليانو الكاتب والمفكر والروائى والأستاذ الذى جاء من أوروجواى لنتعلم منه كلنا كيف نكتب عن كل وجوه ومعانى كرة القدم.. ومثلما كتب جاليانو عن كرة القدم وفقراء ساو باولو وبوينس أيريس.. كتب أيضا عن فقراء مدريد حول أسوار أتلتيكو الذى لم يعد ولم يبق مجرد ناد يلعب الكرة.. إنما أصبح أحد رموز كرة القدم فى العالم حين تتحدى كل شىء وتنتصر للإنسان، أيا كان اسمه وعنوانه وقيمته ومكانه.