طاهر عبد الرحمن
في واحدة من أغرب ردود الفعل على هزيمة 1967 قرر الدكتور سعد الدين إبراهيم إطلاق لحيته، وأقسم على عدم حلاقتها طالما أن هناك أرضا عربية تحت الاحتلال، ومع أنه حلقها – جزئيا – بعد نصر أكتوبر 1973، إلا أنه لا يزال محتفظا بـ”بسكسوكة” كدليل على موقفه الثابت والدائم تجاه الأرض العربية المحتلة والتي ينتظر عودتها.
وعلى ما يبدو فإن الدكتور إبراهيم أصبح في عجالة من أمره، ومن أمر “ذقنه”، يريد أن يحلقها قبل أن ينفذ أمر الله، فها هو يقرر زيارة الأرض المحتلة، بدعوة أكاديمية من جامعة تل أبيب، عله يجد في تلك الزيارة سببا كي يتحلل من قسمه التاريخي، وهو ليس بشيء بعيد!!
نرشح لك.. أديب عن حضور سعد الدين إبراهيم لإسرائيل: ذهب لـ”نشر غسيل” مصر
وللأمانة العلمية البحتة فإنني توقفت منذ زمن بعيد عن متابعة مقالات وحوارات الكاتب والباحث الكبير سعد الدين إبراهيم. ليس تقليلا من شأنه أو تجاهلا، ولكن لأن الرجل – منذ زمن بعيد أيضا – توقف عن إنتاج الجديد من الأفكار، وظل طوال العشر سنوات الماضية، على الأقل، يكرر نفسه بطريقة بائسة لا تشد انتباه أحد، ولا تدعو لمتابعته، على الرغم من محاولاته المستميتة للعودة للساحة الفكرية والسياسية.
ومع أن الدكتور يقدم نفسه دائما بصفة الباحث والأكاديمي وأستاذًا في العلوم الاجتماعية، إلا أنه يمكن القول بأنه واحد من أهم “صناع الملوك” في مصر والمنطقة العربية، وهي “مهنة” شديدة الخطورة لأنها تجبر صاحبها على السير وسط حقول من الألغام التي تنفجر فيه إذا ما قام بحركة غير محسوبة في الاتجاه الخاطئ.
والحقيقة أن “حركات” الدكتور الخاطئة كثيرة جدا، ما أدى إلى أن كل الألغام انفجرت تحت قدميه حيث أصابته بتشوهات سياسية وأمراض فكرية يصعب الشفاء منها. بدءًا من علاقته بالأمير الحسن بن طلال وتأسيسه لمنتدى الفكر العربي في الأردن منتصف الثمانينات، مرورًا بعلاقته بسوزان مبارك وموقعه كمستشار لها ولنظام زوجها قبل أن “يتهور” ويتخطى حدوده معهما، وليس انتهاءً بدوره في “تلميع” النظام القطري وطموحات الشيخة “موزة”، وقبل ذلك كله وبعده علاقاته بمنظمات وجهات دولية تمول نشاطات مركزه وأبحاثه!
ومع الاعتراف -إنصافا- بأنه للرجل ولمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية مساهمات ومشاركات فعالة في المجتمع المصري، كقضايا الحريات والديمقراطية وتمكين المرأة، إلا أن ظلال الشك أقوى من كل تلك المساهمات والمشاركات، خصوصا فيما يتعلق بعلاقاته مع الأمريكيين والإسرائيليين، والتي لا يحاول أن يخفيها أو حتى يبررها.
ومع كل ذلك فإن أمر السيد الدكتور وما يقوله أو يفعله لا يشغلني كثيرا، بقدر انشغالي بـ” ذقنه” التي لم يحلقها اعتراضًا على الاحتلال، وكيف برر “لهم” في إسرائيل موقفه ذلك، أم أنه نجح، بعكس “الزمار” ؛ في إخفاء ذقنه!؟