نقلا عن اليوم السابع
لم تعد شبكة “نيتفليكس” التليفزيونية مجرد “تقليعة” جديدة لمستخدمى الإنترنت، هذه الشبكة التى ولدت فى العام 1997 صارت اليوم المنصة الأقوى فى عالم الترفيه الدرامى والسينمائى، دون أن تمتلك قمرا صناعيا أو إشارة بث فضائية، “نيتفليكس” هى الآن المنافس الأقوى لصناعة التليفزيون التقليدية، وربما تكون هى البديل الذى سيرث التليفزيون باستثماراته وإعلاناته وجماهيره العريضة، وبمن فيه وبمن عليه خلال العقدين المقبلين.
تستطيع أنت أن تشاهد كل ما تشتهيه نفسك من أفلام ومسلسلات وبرامج ووثائقيات من خلال جهاز الموبايل أو التابلت أو الدسك توب، أو عبر شاشات التليفزيون الحديثة التى تتيح الاتصال بالإنترنت، تستطيع أن تشاهد ما تشاء متى تشاء كيفما تشاء، تسترجع مشهدا أعجبك، أو تستمع إلى أغنية مؤثرة فى فيلم عدة مرات قبل أن تواصل الاستمتاع ببقية الفيلم، تليفزيون إلكترونى أنت تتحكم فيه بنفسك، وتسيطر على محتواه، وتختار سهرتك، وتختار صباحك، مقابل اشتراك مناسب لخدمة واسعة ومتاحة كل دقيقة.
منذ نشأتها وحتى اليوم استطاعت “نيتفليكس” أن تشكل خطرا حقيقيا على صناعة التليفزيون التقليدية حتى فى الولايات المتحدة نفسها، إذ إن إتاحة المحتوى على عدد متنوع من الوسائط ومقابل اشتراك محدود فتح آفاقا للانتشار لا تتوافر للتليفزيون التقليدى، فى نفس الوقت الذى تتجه فيه الإعلانات إلى عالم الديجيتال وتتراجع فى الوسيط التليفزيونى الكلاسيكى، وخلال عشرة أعوام نجحت “نيتفليكس” أن تصل لحدود أكثر من 120 مليون مشاهد تقريبا، ويصل عدد المشتركين فى خدماتها أكثر من 110 ملايين شخص حول العالم، وتصل خدماتها اليوم لأكثر من 190 دولة، وتضم فى مكتبتها العملاقة حوالى 125 مليون ساعة من الأعمال التليفزيونية والأفلام الروائية والوثائقية.
بدأت “نيتفليكس” تستقطب جمهورا كبيرا من الشباب فى مصر، وبدا الأمر عاديا اليوم أن تشاهد تطبيق هذه الشبكة على الـ “سمارت فون” بين يدى طلاب الجامعات، وشباب الأندية الرياضية، ثم بدأت الشبكة تلهم بعض المغامرين فى مصر والعالم العربى باستنساخ هذه التجربة، مستثمرين التطور الكبير فى سرعات الإنترنت، بالإضافة للملل الذى تسببه أوقات الإعلانات فى التليفزيونات التقليدية، ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء متفرد أو دراسة عميقة لتدرك أن ما فعلته هذه الشبكة، وما قد تقودنا إليه التجارب الجديدة التى تحاول تقليد نيتفليكس سيؤدى حتما لتراجع مشاهدة محطات التليفزيون على الأقمار الصناعية، وقد تتجه الأجيال الجديدة بسرعة إلى هذا الوسيط الجديد فى عرض المحتوى الترفيهى.
أضف إلى ذلك أن النموذج الذى اعتمدته «نيتفليكس» فى الإنتاج أدى لنقلة نوعية فيما يتعلق بميزانيات الإنتاج السينمائى والدرامى، إذ اعتمدت استراتيجية الإنتاج منخفض التكلفة، إذ لا تضطر الشبكة إلى دفع ملايين الجنيهات فى نجوم الصف الأول، ثم تلهث لتحصيل الفواتير لاحقا كما هو السائد فى مصر والعالم، لكنها انصرفت عن هذه المنافسة غير المجدية، ولجأت إلى معايير إنتاجية غير مكلفة، وإلى تقديم نجوم جدد، مما ساعد على تحقيق إيرادات أعلى تمكن «نيتفليكس» من الإقدام على المزيد من الخطوات الإنتاجية الكبيرة.
إن العالم يتجه نحو هذا المسار وبسرعة..
إن نسب مشاهد المحتوى الدرامى على الإنترنت تتضاعف على نحو مذهل بين الأجيال الشابة هنا فى مصر.
إن المعلنين فى مصر يتجهون الآن لقياس قوة علاماتهم التجارية من خلال التأثير على شبكة الإنترنت، وليس من خلال بحوث المشاهدة للفضائيات التقليدية.
إن الفضائيات التقليدية نفسها تحسب اليوم معايير قوتها بحجم التأثير الذى تحققه فى عالم الديجيتال، وبحجم المشاهدات على شبكات التواصل الاجتماعى.
إن خبراء الإعلام يؤكدون انصراف الجمهور عن البرامج العتيقة للتوك شو فى مصر، ويعتبرون أن فيديو واحد على يوتيوب يمكن أن يساوى فى تأثيره عشرات الساعات من برامج التوك شو بصياغتها القديمة المتوارثة بين الفضائيات المصرية.
فهل يمكن بعد ذلك أن تقول لى:
لماذا نتوسع فى الاستثمار التليفزيونى التقليدى ونترك هذا الفضاء الجديد بلا استثمار، وبلا خطة، وبلا مشروع كبير يضعنا على خريطة التأثير للحاضر والمستقبل؟