احتبست الأنفاس في أرجاء الملعب الذي يمتلئ عن آخره منذ الصباح الباكر.. توقفت الهتافات التي كانت ترج أركانه.. وانخفضت الأعلام التي كانت ترفرف حوله في فرحة منتشية.. حتى الأحلام التي كانت تراود أكثر من مائة مليون مواطن وكأنها تجمدت في قلوب أصحابها ..الصمت هو عنوان اللحظة.. لقد دب اليأس في النفوس بشكل مفاجئ بعد أن كان الأمل يملأها طوال اليوم والأسبوع بل والشهر الذي يسبق تلك المباراة المصيرية..!
نرشح لك – هل يتحمل إيهاب جلال نتيجة مباراة القمة؟
لقد تجاوزت كرة ذلك المهاجم الكونغولي خط المرمي الذي يحرسه عصام الحضري.. الكل ينتظر أن يكتشف خطأ ما.. الكل ينتظر قراراً للحكم غير أن يصفر بإتجاه منتصف الملعب معلناً احتساب هدف صحيح لذلك الفريق متواضع الإمكانيات!
المشكلة لم تكن في الهدف نفسه.. بل في توقيته الذي كان قبل دقائق قليلة من صافرة النهاية !
الحلم يتبخر في لحظات.. يبدو أن القدر يأبي أن ننتمي لذلك العالم الذي نراه فقط خلف الشاشات.. وكأننا نشاهد من هم على كوكب آخر.. لن نصعد لذلك الذي يدعونه كأس العالم أبداً!!
وهنا تكشف الكاميرا التلفزيونية أن هناك من لم يقتله اليأس كما حدث مع الآخرين.. فنري صلاح وهو يسقط على الأرض يأساً.. ثم لا يلبث أن ينتفض واقفاً وهو يطلب الدعم من الجمهور الذي يملأ المدرجات في إصرار عجيب!!..
إنها تلك اللحظات التي تميز من هو على شاكلته.. والتي تشبه مثيلتها التي مرت عليه حين رفض الزمالك أن ينتقل اليه من المقاولون لتواضع مستواه.. أو تلك التي مرت عليه حين قرر الرحيل من براثن مورينيو في تشيلسي، والذي صرح أنه لا مكان له في الفريق بعد الآن !!
إنها لحظات الأمل الذي يجيد هو أن يخلقه لنفسه من قلب اليأس ..لحظات الإصرار أن يحلم ولا يتوقف عن الحلم أبداً.. أو يترك نفسه فريسة للإحباط أو الاستسلام ..!
تلك هي اللحظات التي تميز “محمد صلاح” عن غيره.. والسبب الحقيقي الذي جعله يصل الي أن ينافس على لقب هداف أحد أقوي دوريات كرة القدم في العالم ..إن لم يكن أقواها!
لحظات اختبرها هو كثيراً عبر خمس سنوات تلك التي مرت على حصوله على جائزة أفضل لاعب ناشئ في القارة الإفريقية.. والتي كان انتصاره عليها سبباً مباشراً أن يستمر في الحلم.. ليحصد نفس الجائزة.. ولكن للكبار هذه المرة!!
المشكلة أن البعض لا يدرك أنها تساوي الفرق بين النجاح والفشل.. أنها هي نفسها اليقين أن العمل والاجتهاد هو المعيار الوحيد الذي تملكه.. وأن باقي العوامل يتم تسخيرها لك فقط ان نجحت في الإنتصار عليها!
لقد آمن صلاح بنفسه و بقدراته.. أدرك أنه لديه كل ما يجده في هؤلاء الذين يشاهدهم على شاشة التلفاز لذا فقد نجح في ما فشل فيه كثيرون قبله.. لقد نجح لأنه استوعب أن المصريين مثلهم مثل كل شعوب العالم.. بل وربما أفضل منهم في كثير من الأحيان.. أدرك أنهم يمكنهم النجاح والتألق.. فقط عليهم أن يحلموا.. وأن يعملوا على تحقيق حلمهم..!
باختصار.. إن كان لزاماً علينا أن نستخرج دروساً من كل ما يمر بنا.. فالدرس الأكبر من قصة ذلك الشاب المبهج.. أننا نستطيع.. فقط علينا ان نحلم.. ونعمل.. وننتصر على أقوى عدو للنجاح على ظهر الأرض.. ننتصر على تلك اللحظات!!