أمضيت ثلاث سنوات كمراسلة للرئاسة أثناء عملي بقناة النيل للأخبار وتعلمت طبعاً الحذر الشديد وأهمية التوقيت لخصوصية وطبيعة مثل هذه التغطيات. وعلي مدار هذه السنوات مر علي العديد من المواقف العجيبة التي أتذكرها الآن ضاحكة ولكن في حينها كانت لحظات عصيبة ومعقدة وفي بعض الأحيان مُحرجة.
في سنة من السنوات كنا في مراكش بالمغرب وكان اللقاء الثنائي بين الرئيس السابق محمد حسني مبارك وملك المغرب منعقد والوفود الرسمية من الوزراء من الجانبين والحرس منتظرين في أحد صالونات القصر الملكي العملاقة. وبما أني كنت من ضمن الوفد الرسمي الإعلامي فكنت أتبختر بالكعب العالي الذي لا أجيد المشي به في أروقة القصر وبما إني غير معتادة علي الرخام الملوكي لم أنتبه لوجود درجة سلم بين أروقة الصالون الكبير وبكل ألاطة وفخر اتلوح كاحلي الأيسر مع رجرجة الكعب وألم شديد فحجلت مثل الفرخة الدائخة إلي أقرب مقعد لأجلس لأن الألم كان شديداً والإحراج أشد. وانتبه علي الفور رئيس الأمن المغربي واقترب سائلاً إذا كان بي شيء ولم أستوعب نصف كلامه لصعوبة اللهجة المغربية وألمي الشديد وانتبه الآخرون ومنهم الوزراء والأمن المصري وأنا في قمة الإحراج والألم. وبروحه الخفيفة قال لي الوزير أحمد أبو الغيط وزير الخارجية السابق -وكنت قد أجريت معه حديثاً في صباح هذا اليوم- أنها عين الحسود لإن الحوار كان يذاع علي الهواء في القاهرة في تلك اللحظة وأن اجتهادي في العمل جعلت عين الحسود تكعبلني. وفي نبرة أكثر جدية وقلق حاول الوزير أنس الفقي وزير الإعلام السابق أن يكون عملياً في قلقه وسألني إذا كنت أريد أن أذهب الي المستشفى وأن زملائي يستطيعوا القيام بعملي فلا داعي للقلق. ولكني طبعاً وسط هذا الجمع من الوزراء المصريين والمغاربة كنت أشعر بحرج شديد وأنا أجلس أحاول إدخال الجزمة ذات الكعب العالي في رجلي التي تورمت وأصبحت فجأة مقاس ٤٥ دون جدوي. وحضر طبيب القصر وفوراً طلب سيارة الإسعاف التابعة للقصر لأن الورم كان واضحاً ولابد من أشعة. وفي موقف أكثر إحراجاً قام زملاء صحفيين بحملي مثل الزكيبة إلي خارج القصر حيث تنتظر سيارة الإسعاف في مشهد مهيب ومحرج وسخيف لا أنساه حتي اليوم. وبالفعل تم تجبيس رجلي وعدت إلى الفندق لأجد أكبر وأحلي باقة ورد رأيتها في حياتي وإهداء رقيق من القصر الملكي المغربي. المأساة الحقيقية كانت في عدم استطاعتي العودة إلى القاهرة بهذه الباقة!!
نرشح لك: رشا سري تكتب: أهلي الإعلاميين.. كل سنة وانتوا طيبين
وفي جولة رئاسية أخري كان دوري أن أغطي زيارة الرئيس مبارك إلى كازخستان وفي العاصمة الجديدة في ذلك الوقت أستانة وهي نقطة في الصحراء الجرداء لا يوجد بها أي معالم ربما تكون قد تغيرت الآن ولكن في ذلك الوقت كانت بلد قاحلة. وقبل السفر كان مكتب التبادل بماسبيرو قد أعطاني عنوان ورقم تليفون المكتب الذي سأستخدمه لكي أبث شغلي إلى القاهرة وأبلغني بمواعيد حجز ال feed وأن كل شيء مدروس. وبالفعل بدأت الزيارة الرئاسية وقمت بلقاءات خاصة مع مسؤولين مصريين وكازاخستانيين، وكالعادة فرحانه بنفسي وشغلي بعد انتهائه وشديت الرحال بالسيارة المخصصة لقناة النيل للأخبار لكي نلحق موعد البث. وإذ بنا ندور وندور في شوارع أستانة الخاوية على العنوان ولا نجده وعبثا حاولت الاتصال برقم التليفون بلا جدوى لإنه كان يرد علي أشخاص لا يتحدثون الإنجليزية أو الفرنسية ولا أي لغة مفهومة بالنسبة لي. وأخيراً وجدنا من يتحدث الإنجليزية في شوارع أستانة ويا ليته ما فهمنا لإنه حينما نظر إلى العنوان والتليفون صدمنا أن هذا العنوان والرقم في موسكو!! وفي مكالمة نادرة لأني فقدت فيها هدوئي المعتاد سألت مكتب التبادل في ماسبيرو: “انتوا اتجننتوا تدوني عنوان في موسكو وأنا في كازخستان؟!” وافحموني بالرد أن هذا هو العنوان الوحيد لديهم لأن كازخستان تتبع نفس القمر الصناعي الروسي ويقوم هذا المكتب في أستانة بالبث إلى موسكو ومن موسكو إلى القاهرة! ودرنا في شوارع أستانة إلى أن حدثت المعجزة عندما لمح أحد فريق العمل طبقاً صناعياً كبيراً جدا فوق أحد المباني وتوجهنا له وطرقنا الباب نسأل أسخف سؤال في العالم: “ممكن نبث من عندكم ولا الطبق اللي فوق العمارة ده للاستخدام الشخصي؟” وبالفعل في صدفة أعجب من الموقف نفسه كان هو المكتب المنشود.
وخلال زيارة رئاسية أخري شديت الرحال إلى أنقرة عاصمة تركيا، وهي بلد هادئة ومملة إلى حد كبير وكان التلفزيون المصري متعاقداً مع مكتب وكالة AP هناك وعدت عربية البث الأنيقة علي فريق عمل النيل للأخبار وتوجهت بنا إلى القصر الرئاسي حيث ستنعقد القمة بين الرئيسين المصري والتركي. واتفقت مع السائق على مكان اللقاء بعد انتهاء الشغل لكي نتوجه إلى مكتبه لبث المادة الفيلمية ولعمل live من هناك أثناء النشرة. وبعد انتهاء الأوردر بحثت عن السيارة والسائق ولم أجدهم والتليفونات مغلقة ولا أعلم أين يوجد مكتب ال AP في أنقرة والوقت يمر وموعد حجز البث يقترب. وحاولنا بفهلوة المصريين أن نطلب من سائق تاكسي أن يوصلنا إلى المكتب المنشود وبكل عصبية الأتراك سمعنا ما لا يرضينا ورفض توصيلنا أو مساعدتنا وفي النهاية رد سائق عربية البث موضحاً أن الأمن منع تواجده في محيط القصر فركن بعيداً وسألته: “طيب ليه تليفونك مغلق؟” قال: “كنت تعبان شوية!!” وسريعاً تقابلنا وذهبنا لنبث الشغل لنجد أن الحجز مدته عشر دقائق فقط لأن هذه أقصى مدة متاحة لديهم فبالتالي لابد من مونتاج قبل البث وتركت المونتاج قليلاً لقرب موعد ال live وحين سُئلت أول سؤال علي الهواء انطلق آذان العصر من مأذنة خلفي بالضبط لكي يختفي صوتي تماماً يليه شكر شيك من مذيع الستوديو في القاهرة.
وفي شرم الشيخ كنت أقوم ب live من فندق إقامة الرئيس مبارك الذي كان في انتظار وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش، ليفتتحا في اليوم التالي منتدى دافوس الاقتصادي. وفي لحظة نادرة وأثناء مرور موكب الرئيس بوش خلفي تماماً بدأت اللايف مُعلنةً بكل فخر وصول الرئيس الأمريكي وأثناء حديثي لاحظت حركات مريبة بجوار الكاميرا ويافطة مكتوبة لي: “ما تجيبيش سيرة بوش خالص!” طيب بالنسبة إن اللايف كله عليه وهو لسه معدي من ورانا طيب أقول إيه؟! وفي ظل هذا الاضطراب اختصرت الإجابة وانتظرت من مذيعة الاستوديو أن تختم هذا اللقاء العجيب ولكنها للأسف سألت سؤال آخر صفعني بشدة: “رشا، ما هي أبرز النقاط التي ستتضمنها كلمة الرئيس مبارك في افتتاح المنتدي غداً؟” كانت أول إجابة علي بالي “وانا إيش عرفني” وتهربت طبعا من الإجابة قائلةً أنه من المنتظر أن تكون كلمة شاملة جامعة متكاملة. وخمنت بعدها أن التوجه الجديد هو عدم إعطاء أهمية للرئيس الأمريكي لفتور العلاقات المصرية الأمريكية في تلك اللحظة التي قمت بعمل اللايف فيها لأسباب لا أعلمها حتى الآن ولا أريد أن أعرفها علي فكرة..