في يوم عطلته، يستيقظ من نومه ليشاهد الفيلم الجديد لبطله المفضل والذي تم طرحه في السينما قبل أيام قليلة. لا حاجة له للذهاب إلى السينما فقد قام بتحميله من أحد مواقع التحميل الشهيرة التي تكفلت بتصوير الفيلم بجودة عالية وطرحه مجانا دون حاجة لترخيص. يتصفح حساب الفيس بوك وتقع عيناه على إحدى مقولات باولو كويلو المقتبسة من روايته الجديدة “الجاسوسة”، وما هي إلا لحظات حتى عثر على رابط لتحميلها نشرته إحدى صفحات الفيس بوك المهتمة بنشر الكتب والتي أعطت لنفسها الحق في تصوير ونشر الكتب إلكترونيا دون العودة لأصحابها لأن القائمين على الصفحة مؤمنون بحق القارئ في المعرفة والوصول إليها بأي وسيلة!
ها هي الساعة قد اقتربت من السابعة مساء، إنه موعد مباراة ريال مدريد وفالنسيا، هناك أكثر من موقع ينقل المباراة بدرجات جودة مختلفة تتناسب مع سرعات الإنترنت المختلفة. ينتابه شعور بالوطنية وهو يشاهد المباراة مجانا عبر الإنترنت لأنه يساهم في إفشال قناة “bein sport” وتكبيدها تكاليف نقل المباريات.
بعد انتهاء المباراة يلتقي بأصحابه ليلعبون كرة القدم ولكنها لعبة كرة قدم إلكترونية، لقد سهر طيلة ليل الخميس من أجل تحميل احدث إصدار من لعبة فيفا وإضافة باتش التعليق العربي. الأمر كان بسيطا جدا بفضل موقع التورنت الذي يعد من أوائل مشتركيه.
هذا السيناريو يتكرر يوميا مع الغالبية العظمى في مصر والوطن العربي، نحن نبحث عن الأشياء المجانية دائما ولا نلقي بالا لحقوق الملكية الفكرية أو الخسائر التي سيتكبدها أصحاب الأعمال التي تم قرصنتها ولا نهتم لعدد العاطلين الذي سيزداد بفضل فشل تلك الأعمال في تحقيق مبيعات جيدة. نحن لم نتعلم ثقافة حقوق الملكية ولا نتعامل مع جملة حقوق الطبع محفوظة إلا بكل استهتار، نبتسم ابتسامة سخرية حينما نرى تلك العبارة تمر أمام أعيننا لأننا على ثقة أنه بعد أيام قليلة سيكون هذا المنتج متاحا مجانا عبر الإنترنت. نحن نمنح لأنفسنا مبررات كثيرة لقرصنة الكتب والأفلام والأغاني وبرامج الكمبيوتر، فالبعض يتعلل بالظروف الاقتصادية السيئة التي تحول دون شراء الكتب والبرامج التي ارتفع سعرها كثيرا في الآونة الأخيرة، وهذا عذر أقبح من ذنب لأن الغاية لا تبرر الوسيلة وهناك الكثير من المصادر المجانية المرخصة لبرامج الكمبيوتر. أما بالنسبة للأغاني فأصبحت تطرح عبر موقع يوتيوب بالتزامن مع طرحها في الأسواق، والكتب يتوافر الآن في مصر تطبيقات تطرح الكتب مجانا لمشتركيها بالتعاون مع إحدى شبكات المحمول.
لا يحق لك أن تشكو سوء الأفلام المعروضة في السنوات الأخيرة أو المستوى المتدني للكتب المطروحة في الأسواق، لأنك دمرت أصحاب الصناعة الجيدة من خلال دعمك للقرصنة وبالتالي بقي المجال مفتوحا فقط أمام أصحاب الأموال عديمي الثقافة الذين لا يدركون رسالة الفن والثقافة والأمر بالنسبة لهم مجرد تحقيق أرباح بأي وسيلة، لا يهم المنتج المعروض تافها كان أم جيدا، المهم هو تحقيق الأرباح والسيطرة على السوق.
الحياة لن تتوقف إذا لم تقرأ الرواية الجديدة لباولو كويلو أو تشاهد فيلم أحمد حلمي الجديد أو تقتني نسخة حديثة من لعبتك المفضلة، لكن حياة الآخرين القائمين على تلك الأعمال ستتوقف وسيعانون الأمرين إذا قمت بقرصنة أعمالهم. وسع خياراتك وابحث عن المصادر المجانية القانونية وإذا لزم الأمر تواصل مع كاتبك ليمنحك نسخة مجانية، وتذكر دائما أن كاتبك المفضل أو مطربك المفضل قد يختفي عن الساحة تماما بفضل سرقة أعماله وربما تكون أنت في يوم من الأيام ضحية لتلك الأعمال.