نورا مجدي
في وقت ما.. كان يعتقد البعض أن وسائل الإعلام في العالم العربي تعاني من بعض السياسات التي جعلت “الإعلام” يناقش ما تريده الحكومات فقط، إلا أن التحول إلى الديمقراطية الإعلامية قد طالته بعض الاتهامات هو الآخر، حيث وجدنا في السنوات الأخيرة إعلامًا يقول ما يريد وينشر ما يريد، بصرف النظر عن جودة وأهمية ما يُقدم للجمهور، وانطلاقًا من تلك الحقيقة يمكننا القول إن وسائل الإعلام قد اتخذت حرية التعبير سببًا لإلقاء الضوء على العديد من الموضوعات غير الهامة ومن بينها نجد بعض الأشخاص الذين اقتحمت أخبارهم الإعلام عنوةً، حيث سار محرروا الأخبار في الميديا خلف هؤلاء بقصد جلب المشاهدات، دون الانتباه إلى ما سيستفيده المواطن العادي من متابعه قضايا هؤلاء الدخلاء على “الميديا” والذين تصدرت أخبارهم المشهد في القنوات والصحف، ووصلت أسماؤهم إلى الـ “تريند” كما لو كانوا أبرز المشاهير.
مع الإيمان بدور الإعلام وأهميته في تناول أهم الأخبار، وإيصال الرسائل بمصداقية بعيدًا عن الإخلال بالمحتوى الإعلامي أو تشويه الرأي العام بموضوعات تنأى عن الأهمية واحترام المشاهد والقارئ، من هذا المنطلق يرصد إعلام دوت أورج بعض القضايا التي أثّر تناولها سلبًا على المتلقي وكذلك على الوسيلة الإعلامية التي يقتضي تواجدها احترام عقلية المشاهد والقارئ ويناقش:
نرشح لك – القضية الأولى: ميا خليفة .. من بيروت إلى حديث البيوت
نرشح لك – القضية الثانية: ما فعلته الميديا بـ أحمد التباع
نرشح لك – القضية الثالثة: علياء المهدي .. حرية بلا مسئولية
القضية الرابعة: العنتيل..أسرار الليل
اهتمت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، بعدة قضايا متشابهة تجتمع تحت مُسمى ظاهرة “العناتيل”، والعنتيل هو الشخص الذي رّوِجت له عدة مقاطع فيديو أثناء ممارسة الرزيلة مع السيدات.
بدأ الأمر مع شخص يعمل كمدرب الكاراتيه بأحد أندية المحلة، هو من لقبته وسائل الإعلام بـ “عنتيل المحلة” لتصبح فضيحته حديث المصريين جميعاً، حيث تم اتهامه بالاعتداء الجنسي على 25 سيدة من المترددات على صالة الكاراتية بالنادي وتصويرهن، وكانت تلك القضية هي أولى قضايا “العناتيل” وأشهرهم.
https://www.youtube.com/watch?v=fWDphP_OqYc
توجد أيضا قضية مشابهه تناولتها وسائل الإعلام وهي قضية عنتيل جديد في الغربية “العنتيل السلفي” الذي مارس الرذيلة مع 12 سيدة في شركته التي تعمل في مجال الدعاية والإعلان بمدينة السنطة بالغربية.
كذلك ظهرت عدة قضايا مماثلة مثل: “عنتيل دمنهور”، و “عنتيل جامعة بنها” وهو مدير الأمن الإداري للجامعة، والمتهم بـ”الابتزاز الجنسي”، والمعروف إعلاميًا باسم “عنتيل الجامعة”.
كما انتشرت تلك الظاهرة في عدة محافظات أخرى ليظهر “عنتيل البحيرة”، و”عنتيل الشذوذ” بسوهاج، و”عنتيل النور” بالإسماعيلية، و “عنتيل العيّاط ” بالجيزة.
مع ذلك الاهتمام الشديد بتلك النوعية من القضايا، لم يقتصر الأمر على برامج “التوك شو” وتناول أبرز الإعلاميين لتلك القضايا، بل وجدت جميع الصحف والمواقع الإخبارية المصرية في قضايا العناتيل باختلاف توقيتاتها وأحداثها مادة ثرية للنقاش وإثارة الجدل، تلك الظاهرة التي بدأت في الظهور منذ أواخر عام 2013 وبدايات 2014، ولازالت مستمرة بظهور عنتيل جديد في المحافظات المختلفة.
تأخذنا تلك القضايا إلى واقعة شهيرة مشابهة لكن المُدان والضحية فيها كانا شخصًا واحدًا وهي المرأة الإيطالية البالغة من العمر 31 عامًا والتي انتحرت بعد أن انتشر لها مقطع فيديو جنسي كانت قد صورته وأرسلته إلى حبيبها السابق بهدف إثارة غيرته لكنه انتشر على الإنترنت حتى أن كلماتها في مقطع الفيديو “أنت تقوم بالتصوير؟ برافو” قد تحولت إلى نكتة أصبحت تطبع على القمصان وأغلفة الهواتف وتستخدم كـ “إفيه” في العديد من المواقف والإعلانات، الأمر الذي جعلها تحاول مسح مقطع الفيديو المنتشر لها من الإنترنت لكنها فشلت واضطرت لترك عملها وغيرت مكان مسكنها كما حاولت تغيير اسمها لكن بائت محاولتها بالفشل وفي نهاية الأمر انتحرت حيث أصبحت هدفًا لسخرية العام في كل مكان.
فكما وجدت وسائل الإعلام ضالتها في قضايا العناتيل كانت قصة المرأة الإيطالية مادة خصبة للتناول في وسائل الإعلام العالمية والعربية، وهو الأمر الذي يعكس مدى التأثير السلبي للتضخم الإعلامي في تناول قضايا بعينها، فالإعلام أحيانا قد يتسبب في تعرض حياة الكثير من النساء للخطر بإلقائه الضوء على تلك القضايا التي تثير المتابعين وتدفعهم للبحث عن تلك الأخبار ومشاهدة الفيديوهات الخاصة بها.
مسئولية الإعلام في الترويج للعناتيل
على مدار الخمسة أعوام السابقة تناولت وسائل الإعلام بكافة أشكالها ومنصاتها مايزيد عن 11 قضية “عنتيل” في محافظات مختلفة، ويبرر بعض المتحاملين على وسائل الإعلام والذين يعيشون طوال الوقت تحت مظلة “نظرية المؤامرة” تناول تلك القضايا بأن وسائل الإعلام تحاول التشويش على بعض القضايا المهمة والخطيرة التي تمس حياة المواطنين، فتتناول تلك الأحداث بهدف تسليط الضوء على موضوعات غير مهمة لإلهاء المجتمع.
لكن في واقع الأمر، هناك العديد من القضايا التي يهتم الجمهور بمتابعتها كأخبار الفن والفنانين، وغيرها من الأمور التي من الممكن أن تجذب انتباه الجمهور، والتي يمكن استغلالها إذا كانت “نظرية المؤامرة” تلك صحيحة.. لكن لماذا تتناول وسائل الإعلام القضايا التي تحوي الأمور “الجنسية” تحديدًا دون رقيب أو محاسب؟.
كغيرها من القضايا التي سبق تناولها يمكن القول أن المبرر الواضح لتناول تلك القضايا هو كونها تزيد من نسب المشاهدات وترفع عداد القراءات لكن يبقى ذلك المبرر غير كافي للاهتمام بتلك النوعية من الأخبار وإقحام هؤلاء الـ “دخلاء” لعالم الميديا وتصدرهم الأخبار والتقارير التليفزيونية والصحفية.