نهلة سويلم
قليلون هم من يحظون بلقب محفور في أذهان جمهورهم، وتبقى أعمالهم مخلدة حتى بعد موتهم، مثل حسين رياض أب “السبع بنات” الذي استطاع أن يخلِّد ذكراه في أذهان من عشقوا أدواره، وارتبط صوته المميز بصورة الأب الحنون المكافح من أجل أن يؤمِن حياة كريمة لأبنائه، فاشتهر بعدة ألقاب أهمها “أب السنيما المصرية”، لا يزال مرتبطًا باسمه إلى يومنا هذا.
اليوم 13 يناير هو ذكرى ميلاد حسين رياض، وفيما يلي نرصد أبرز محطات حياته:
عدوى سلامة حجازي
منح الفنان حسين رياض الفن مكانًا خاصًا في حياته منذ صغره ونشأته في حي السيدة زينب، فاعتاد أن يذهب مع أبيه إلى مسرح الشيخ سلامة حجازي، وقد لامس فن سلامة حجازي شغاف قلبه، وعلِم أن هذا تمامًا ما يريد أن يقضي عمره فيه، ويستحق أن يعارض رغبة أبيه بأن يلتحق بالكلية الحربية، وصمم أن يبدأ مسيرة مميزة في عالم الفن والتمثيل، حتى بلغ الأربعين وبدأ بتكوين أسرته الصغيرة، التي أجمعت أن أدوار الأب الحنون التي أتقنها لم تكن مجرد إدعاء، فعاش الفنان حسين رياض بين أسرته أبًا حنونًا وجداً مثالياً، حتى أن مودته وحنانه كانت موزعة بين أفراد أسرته وبين نجوم تبناهم وكان له الأثر الكبير في نجاحهم، من بينهم صلاح قابيل، وزبيدة ثروت، وفاتن حمامة، وحسن يوسف.
وعن حسين رياض قال الفنان حسن يوسف إن “رياض” تبناه فنيًا، وساعده كثيرًا في بداية مشواره الفني، كما قدّمه إلى عمالقة الفن مثل الفنان يوسف وهبي.
710 عملًا فنيًا
رحلة الفنان حسين الرياض التي تضمنت حوالي 320 فيلمًا، ونحو 240 مسرحية، و150 مسلسلًا إذاعيًا، قد بدأت بتغير اسمه الحقيقي من حسين محمود شفيق إلى حسين رياض، حتى لا تتعرف عليه أسرته المعارضة لقراره، وسار في طريق الفن كما أراد دومًا، بعد ان تلقى التدريب على يد إسماعيل وهبي، شقيق الفنان يوسف وهبي، وهو لايزال في المرحلة الثانوية، وفي الوقت الذي كان دافع معظم العاملين بالمسرح هو كسب الرزق لتحسين الحال، بدأ حسين رياض مشواره الفني بدوره في مسرحية “خلي بالك من إمياي” على مسرح “جورج الأبيض” بكل شغف وحب للمسرح والتمثيل، واستأنف بعدها العمل بالمسرح منتقلًا منه إلى السينما والإذاعة، تاركًا في أذهان الكثيرين جملًا بعينها، لا تزال تتردد بيننا حتى الآن.
للمسرح الولاء الأكبر
أسس الفنان الراحل حسين رياض فرقة مسرحية مع أصدقائه يوسف وهبي ، حسن فايق، أحمد علام، عباس فارس وغيرهم ممن أصبحوا نجومًا أمدوا المسرح والسينما بتحف فنية فيما بعد، وأطلقوا عليها فرقة “هواة التمثيل المسرحية”، وحاربوا لاستمرارها رغم عدم تحقيقها لأية أرباح مادية بتكلف نفقاتها من جيوبهم الخاصة، مما حملهم الكثير من الأعباء في سبيل استمرار اعمالهم، كما شارك بعدها في عدة فرق مسرحية معروفة منهم منيرة المهدية، وعلي الكسار، والريحاني وفاطمة رشدي وغيرهم ممن تركوا الأثر الأكبر في عالم المسرح.
وفي تصريح لفاطمة رشدي، الممثلة ورائدة المسرح التي شاركت مع حسين رياض في العديد من الأعمال المسرحية، قالت إن “رياض” كان من أكثر الممثليين براعةً على المسرح، وكان متعاونًا للغاية أثناء البروفات وتجهيزات ما قبل العرض، كما أضافت “كان من أكتر الممثلين اللي برتاح في التمثيل قدامهم”، وقالت أن السبب في ذلك هو اتقانه الشديد لدوره، واندماجه في الدور اندماجًا كاملًا دون تصنع أو تمثيل، وعلى المستوى الشخصي قالت “رشدي” أنه كان شخصية رائعة مكافحة، فرغم أنه كان يتقاضى 30 جنيهًا فقط، إلا أنه كان لا يبالي، بسبب حبه الشديد للفن والمسرح، مضيفةً “أحب الناس ياخدوا أمثلة زيه، في مواعيده واتقانه، وحبه للفن.”
ويذكر أنه كان يولي المسرح اهتمامًا كبيرًا حتى بعد أن اتجه للسينما، فقالت فاطمة حسين رياض، ابنته الوحيدة، في إحدى التصريحات أنه كان شديد الاحترام والتقدير لجمهور المسرح، فكان دائمًا يتجه للمسرح متوترًا عصبيًا رغم تقديمه نفس المسرحية كل ليلة، وكان يحرص على أدائه احترامًا لجمهوره.
أب السينما المصرية
في 1934، ومع دخول السينما إلى مصر، حجز حسين رياض مكانًا خاصًا على شاشاتها، ليصبح الفنان القدير صاحب الأثر المستمر إلى الآن، بدأ أولى أعماله السينمائية بفيلم “ليلى بنت الصحراء” بالمشاركة مع الفنانة بهيجة حافظ عام 1937، ويذكر أن أجره وقتها لم يتعدى الخمسين جنيهًا.
استمر “أب السينما المصرية” في الإضافة إلى رصيد أعماله أدوارًا متنوعة، ما بين الموظف المصري المطحون الذي يكافح من أجل عيش كريم لأسرته، والأرستقراطي، ورجل الأعمال، وأدوار بها بعض الكوميديا مثل دوره في فيلم “المراهق الكبير” و”المراهقات”، ومن أشهر أفلامه “أغلى من حياتي”، و”الناصر صلاح الدين”، و”وااسلاماه”، و”المظ وعبده الحامولي”، و”أنا حرة”، و”السبع بنات”، وغيرها من الأدوار التي برع فيها جميعًا ليترك بصمته المميزة في كل فيلم حتى وإن لم يكن دور البطولة المطلقة من حظه.
تلبس الدور أصابه بـ شلل وهمي
وعلى عكس الكثير ممن يلاحقون الشهرة في الوسط الفني بزيادة رصيد أدوارهم فحسب، يرجع السبب لنجاحه في جميع الأدوار التي أداها هو اختياره الدقيق لكل ما يؤديه، فمن منا لا يذكر دور رئيس التحرير في فيلم “يوم من عمري”، ولكن يعرف القليل أن هذا الدور كان معروضًا بالأساس على حسين رياض، وحسب اقتراح المخرج عاطف سالم قضى “رياض” يومًا كاملًا وسط غرفة الأخبار في مكتب علي أمين بـ”الأخبار” ليراقب عن كثب تعامل رئيس التحرير مع محرري الجريدة، وما أن تابع ردود افعال “أمين” العصبية كرئيس تحرير، وجّه كلامه إلى “سالم” قائلًا: “الدور ده مش بتاعي ده بتاع المليجي”، وهو سبب اختيار الفنان محمود المليجي لتأديته.
كما عُرف “رياض” باتقانه الشديد لأدواره، وكان يعيش حالة الشخصية لأقصى حد، فيتأثر تمامًا بها، حتى بعد أن تنطفئ الكاميرات ويعلن المخرج انتهاء التصوير بـ”فركش” الشهيرة، فتقول ابنته فاطمة أنه أثناء تصوير “الأسطى حسن”، مع الفنان فريد شوقي والفنانة زوزو ماضي، حيث كان يؤدي فيه دور رجل قعيد على كرسي متحرك، عاد إلى المنزل بعد انتهاء التصوير، وفوجئت الأسرة بفقدانه للحركة بالفعل، وبقي هكذا لفترة إلى أن جاء طبيب العائلة وأعاده للحركة.
الإذاعة في حياة حسين رياض
ومن السنيما إلى الإذاعة، صنع الفنان حسين رياض فنًا متقنًا بصوته المميز، فشارك في العديد من المسلسلات الإذاعية والمسرحيات الغنائية، منها “أوديب” الخالدة لـ”سوفليكس”، والتي شارك فيها مع العديد من النجوم منهم دولت أبيض، ومنسي فهمي، وأحمد علام، وفؤاد شفيق، شقيقه الذي لم يعرف الكثير عن كونهم إخوة، بسبب تغيير حسين رياض لاسمه الحقيقي.
ومن المسرحيات الغنائية قدم “العشرة الطيبة” من ألحان العظيم سيد درويش، والأوبريت الغنائي “شهرزاد” من تأليف بيرم التونسي وألحان سيد درويش.
حلم الطفولة الذي أعاده له الأطفال
حتى إن اعماله لم تقتصر على التمثيل فقط، فقدم الفنان البارع في تمثيل دور الأب والجد أغنية إلى الأطفال تسمى “جدو يا جدو” بالمشاركة مع مجموعة من الأطفال، وفيها حقق حلمه القديم بأن يصبح مغنيًا، قبل أن تمنعه الظروف من ملاحقة هذا الحلم رغمًا عنه، بسبب عملية جراحية أجراها في صباه، أثرت على أحباله الصوتية، وكانت السبب في تهدج صوته منذ الصبا، وربما كان هذا سببًا يدفعه لتأدية ادوار الأب أو الجد العجوز، بجانب موهبته الفذة في إتقان الأدوار وتقمص مثل هذه الشخصيات.
النهاية في ليلة الزفاف
“انت اللي هتغني يا منعم” و”سلامة” و”انتي فين يا جهاد” وغيرها من الجمل السنيمائية، قالها الراحل حسين رياض في أدواره الخالدة، ولا نزال نكررها إلى اليوم بعد رحيله بثلاثة وخمسين عامًا، إثر إصابته بأزمة قلبية أثناء تصوير فيلمه الأخير “ليلة الزفاف” من إخراج هنري بركات، وبطولة أحمد مظهر وسعاد حسني، فتوفي الفنان القدير أمام الكاميرات، وبهذا اختتم مشوارًا فنيًا خالدًا، ورحل عن عالمنا تاركًا أثرًا لا يزول، ومخلدًا ذكراه كممثل بارع مجتهد، ومثال للأب الحنون أمام الكاميرا وخلفها.
https://www.youtube.com/watch?v=GNjaJAlC8zk