مرة واحدة فقط شاهدت فيها “عبد الحليم حافظ” كنت طفلاً حضرت عيد ميلاد عمي “كامل الشناوي” في منتصف الستينيات ولعله كان آخر أعياد ميلاده.. لم أتعرف وقتها على كل الوجوه ولكني أتذكر “عبد الوهاب” و”نجاة” و”فايزة” و”شكري سرحان” ومحمود المليجي
وبعد مرور السنوات عندما استرجعت ملامح الحاضرين تذكرت الملحنون الكبار “بليغ حمدي” و”كمال الطويل” و”رؤوف ذهني” والكتاب الكبار “موسى صبري” و”سعيد سنبل” و”أحمد رجب” و”كمال الملاخ” و”جليل البنداري”.. لم تلتصق عيني سوى بعبد الحليم كنت أتابعه منذ لحظة وصوله للبيت حتى ذهابه إلى البوفيه، ولاحظت أنه لم يضع في طبقه سوى عددا محدودا من قطع البطاطس لم يقترب إلا من واحدة أو اثنين.. مرت عشر سنوات على تلك الواقعة والتحقت في منتصف السبعينيات بكلية الإعلام وكنا نصدر وقتها جريدة “صوت الجامعة” – التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء – وقررت وأنا في سنة أولى أن أثبت لطلبة السنة الرابعة بأنني “وان كنت الأخير زمانه لآت بما لم تسطعه الأوائل “وأجرى حوارا مع نجم مصر الأول “عبد الحليم حافظ” وأخذت رقم تليفونه خلسة من أجندة عمي “مأمون الشناوي” لا أزال أتذكر أول رقمين “80”، اعتقدت أنه بمجرد أن يسمع اسمي مقترنا بجريدة “صوت الجامعة” سوف يقف احتراما ويأتي مهرولا للكلية، إلا أنني مع كل اتصال تليفوني أصاب بخيبة أمل.. دائماً الأستاذ إما نائم أو في الحمام أو في بروفة أو مسافر أو على سفر ولم ألتق حليم. في عام 1976 انتقلت للسنة الثانية في الكلية.. كنت أتدرب منذ سنة أولى في المدرسة الصحفية لمجلة “روز اليوسف” واستطعت الحصول على صورة تجمع بين “عبد الحليم حافظ” و”أحمد عدوية” في إحدى الحفلات التي أقيمت في فندق الشيراتون!
وكان “عدوية” قد حقق وقتها شهرة عريضة بأغنيه “السح الدح امبوه”، أراد “عدوية” مجاملة “عبد الحليم حافظ” عندما لمحه في الصالة فغنى “خسارة خسارة فراقك يا جارة” وقرر “عبد الحليم حافظ” أن يرد على المجاملة بأحسن منها فصعد على المسرح وغنى خلف عدوية “السح الدح امبوه شيل الواد م الأرض” التى كانت في تلك السنوات عنوانا للفساد الفني، أخذت الصورة باعتبارها سبقا صحفيا، وكتبت الواقعة وسلمتها إلى الكاتب الصحفي “عادل حمودة” وكان وقتها يشغل موقع سكرتير تحرير “روز اليوسف” ومنح عادل الصورة والتعليق صفحة كاملة.. ظهرت المجلة في صباح يوم الأحد بعنوان “عبد الحليم حافظ” يغني “السح الدح امبوه”، فوجئت بأن إذاعة “الشرق الأوسط” تقدم في المساء حلقة في أشهر برنامج فني وقتها وهو “الليل والفن والسهر” تقديم “محمد أنور” و”إبراهيم صبري” واستمعت إلى عبد الحليم وهو يكذب الواقعة تماما ويؤكد أن الصورة خضعت لفبركة صحفية وأنه لم يلتق أبدا عدوية. ولم يكذبه أحد حتى مصادري الصحفية رفضوا أن يشهدوا لصالحي.. ورحل “عبد الحليم” وحزنت عليه مثل الملايين وظلت واقعة غنائه “السح الدح امبوه” لا يصدقها أحد إلا أنه في السنوات الأخيرة باتت هذه الحكاية كثيراً ما يرددها “أحمد عدوية” في أكثر من حوار تليفزيوني ويؤكدها أخرون بينما وقتها لم يجرؤ أحد بما يهم عدوية على مجرد ذكرها!!
أنس كل شىء قرأته من قبل وتوقف فقط أمام تلك اللقطة عبد الحليم بين عشرات النجوم في عيد ميلاد عمى كامل وهو الوحيد الذي يسكن عين الطفل ليصبح كادرا ثابتا وكأنه يردد مع الشاعر النابغة الذبياني “أنك شمس والنجوم كواكب إذا ظهرت لم يبد منها كوكب”، إنها منحة إلهية تولد مع عدد قليل جداً من البشر ومن الواضح أن “عبد الحليم” كان يقف على الذروة بهذا الفيض الإلهي فكان هو الشمس التى حجبت كل الكواكب بجواره. ولد فقط ليغني حتى لو ردد خلف عدوية “السح الدح امبوه”!!
نقلاً عن جريدة التحرير
اقـرأ ايضـا :
مشادة حادة بين مراسلة cbc و بدرية طلبة
تهديدات بالقتل لمدير عام الـ “BBC” بسبب “كلاركسون”
محمود سعد يقارن بين موقف تميم وجولدا مائير
داعية مغربي يسئ لمصر وفاطمة ناعوت تهدد بالانسحاب
وزير خارجية العراق ينفعل على وائل الإبراشي
في القمة العربية.. موبايل زايد وهتاف السيسي وقطع الصوت على تميم