الفلوت الحائر بين الفنانة والوزيرة!!

وزارة الثقافة شهدت أكبر معدل للتغيير، بل كان الوزير يأتى أحياناً مرتين فى وزارتين مختلفتين مثل جابر عصفور الذى تابعناه فى نهاية زمن مبارك وأيضا فى بداية زمن السيسى، بينما صابر عرب شهد حكم المجلس العسكرى والرئيس المؤقت عدلى منصور والرئيس السيسى. فاروق حسنى هو الوزير الأشهر وفى تلك المنظومة تجاوز 20 عاما، كان يجيد اللعب فى الداخل مع موظفى الوزارة ويحرز خارجها أهدافاً فى مرمى المثقفين، كل من جاء بعده، حتى لو كان فى خبرة جابر عصفور، لم يتمكن من الحفاظ على هذا التوازن، فاروق كان بمثابة وزير أبدى وهذا ما منحه سطوة، بينما الآخرون خضعوا لمقياس الزمن، وزير لبضعة أشهر، ولم يتجاوز العامين سوى حلمى النمنم.

المعضلة تبدأ فى الصراع مع الكيانات الكبرى، مراكز قوى تملك خيوط اللعبة، الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة الذى أصبح منذ 48 ساعة يحمل لقب وزير سابق، جاء من عالم الصحافة، صحيح أنه كان فى فترة ما نائباً لرئيس هيئة الكتاب، إلا أنه يتم التعامل معه باعتباره خارج المنظومة، بينما الفنانة إيناس عبدالدايم من الداخل، ملكة متوجة فى الأوبرا، بعد الراحل الرقيق المبدع عبدالمنعم كامل، وحافظت على النجاح الذى حققه كامل، وتحولت دار الأوبرا إلى حائط صد ضد دعاوى التطرف والانغلاق، معركتها الآن أصعب بكثير بعد أن تجاوزت سور الأوبرا.

حلمى النمنم اعتبر مرحلة توليه الوزارة فى حياته فترة زمنية (بين قوسين)، ولهذا ظل مخلصاً للقلم يكتب فى الجرائد، وعلى رأسها (المصرى اليوم)، الوزير حلمى كان يقيد الكاتب حلمى، من المستحيل، حتى ولو أنكر، أن يصبح الوزير حراً فى تناوله للقضايا، خاصة عندما يتشابك مع الواقع، عليه أن يؤقلم قلمه حتى لا يصطدم مع الدولة، مثلما دفع جابر عصفور الثمن فى علاقته الملتبسة مع الأزهر الشريف.

وزارة الثقافة بتخومها المتعددة تقتل مع الأسف الخيال، كانت لدى حلمى مشروعات وأجهضها سدنة الوزارة الذين يملكون مفاتيح اللعبة، ليس من البطولة أن تنهال الأقلام على وزير سابق، علينا أن نُدرك أنه سيأتى يوم تُكشف فيه الكثير من الأوراق.

ولا أدرى هل إيناس ستضع أيضا الوزارة كمرحلة زمنية فى حياتها (بين قوسين)؟، هل تلقى جانباً بـ(الفلوت)؟، على الأقل فى الأشهر الأولى لتتفرغ لحسم الكثير من القضايا المؤجلة، أولها قصور الثقافة لتلعب دورها التنويرى، تلك القصور التى كانت هى المشروع الوطنى فى الستينيات تحتاج لإصلاحها ملايين، فهو قرار أمن دولة ثقافى حان وقت تنفيذه، لتصبح شعاع نور يطرد ظلام الإرهاب من العقول، ويخلق مناخاً صحياً للإبداع فى السينما والمسرح والموسيقى والفن التشكيلى، ومن القضايا الملحة قبل أن يداهمنا الوقت تعيين رئيس جديد لمهرجان القاهرة السينمائى، وهو قرار يجب أن تتوافق فيه نقابة السينمائيين مع غرفة صناعة السينما مع لجنة السينما لاختيار الرئيس القادم، ولا تسمح لأصحاب الصوت الحنجورى بفرض وصايتهم على صانع القرار. إيناس تملك خيالاً، وفى وزارة الثقافة كيانات تحتاج إلى بلدوزر ليخرج الخيال للنور، فهل ينتصر صوت الفلوت على النشاز الذى يعشش فى حياتنا؟!!.