(1)
استوقني فيلم قصير مدته لا تتجاوز الثلاث دقائق، يتحدث فيه أحد صانعي موسيقى المهرجانات، الفيلم محتواه لا قيمة له لكنه يتمتع بصورة جيدة، وسبب عدم قيمة محتواه هو أن المتحدث شاب عادي يصنع موسيقى مهرجان في غرفة في إحدى المناطق الشعبية، لذلك استمر لمدة 3 دقائق في حوار سيريالي بدأ وأنتهى دون أن نعرف ماهو المغزى من حديثه.
لكن ذلك الشاب أشار إلى نقطة جديرة بالتأمل، وهي أن موسيقى المهرجانات قد تكون نابعة من المناطق الشعبية، إلا أن مستمعيها متواجدين في جميع المناطق بمستوياتها الاجتماعية المختلفة.
(2)
في نفس توقيت تداول الفيلم القصير على الانترنت، كان وائل الإبراشي يستضيف في برنامجه العاشرة مساءً، الموسيقار حلمي بكر وشاب أخر يصف نفسه بمغني مهرجانات.
في خضم صراخ حلمي بكر الغير مبرر في وجه كل الجالسين في الاستوديو، وأثناء محاولته إعادة تربية الشاب وتعليمه مباديء الحياة والموسيقي والفيزياء والطيران الشراعي، قاطعه الشاب ليقول أنه مطرب مهرجانات، والأغاني التي يقدمها يستمع إليها جميع طبقات المجتمع، وحكى كيف بدأت أغاني المهرجانات من وسيلة لتحية “المعازيم” في أفراح الأحياء الشعبية إلى أغاني تُصنع بواسطة أجهزة كمبيوتر ليتم تداولها عبر الانترنت.
(3)
لماذا أقبل الشباب على أغاني المهرجانات؟
لم يقصد أحد من صناع موسيقى المهرجان أن تصل الأغاني إلى ملايين المستمعين، جيل المراهقين والشباب في اوائل العشرينيات هم أكبر شريحة من مستمعي المهرجانات، فهو الجيل الذي كان في مرحلة تكوين الشخصية عند إزدهار موسيقى المهرجان في الثمان سنوات الأخيرة.
إزدهار مواقع التواصل الاجتماعي وحالة النهم التي كانت موجودة في المجتمع وقتها لكي يصبح الجميع متواصلين عبر الانترنت سمحت لموسيقى المهرجانات بالانتشار السريع، عن طريق الصدمة لفترة طويلة، ثم الدخول في مرحلة التقبل، وصولًا إلى مرحلة الاستمتاع بحالة الضجيج الموجودة في أغاني المهرجانات.
انتشار سريع بين طبقات المجتمع طوليًا وعرضيًا، حالة التوتر والقلق التي تزامنت مع فترة ظهور أغاني المهرجانات، كانت مبرر كافي لكي يتقبل المجتمع صخب المهرجانات، ويتم منح بعض الأغاني الفرصة لكي يتم لعبها في الأفراح والمناسبات السعيدة، تحت شعار “خلي الناس تنبسط وتهيص”.
(4)
ظهور بديل للأغنية الشعبية المعتادة كان شيء حتمي في ظل توقف تتالي الأجيال بين المطربين الشعبين، فأخر المطربين الشعبيين الحقيقين كان حكيم، من بعدها ظهر شعبان عبد الرحيم وسعد الصغير وعماد بعرور، نجاح سريع ومدوي، لكن لم يستطيع أحد منهم أن يصنع لنفسه جماهيرية تجعله مطرب مفضل بين طبقات المجتمع المختلفة، فتحولوا إلى ظواهر مؤقتة، لم تنتهي لكن اكتسحتها موجة مطربي المهرجانات. مقارنة بسيطة بين أغاني أي من الاسماء المذكورة وأغاني المهرجانات التي يتم لعبها في أي فرح مصري، تنهي الجدل، إختفى الجميع من قائمة أغاني الأفراح، وبقى حكيم بأغنية حلاوة روح والراحل حسن أبو السعود بأغنية شيك شاك شوك، مع عدد من أغاني المهرجانات.
(5)
ماذا بعد؟
شبكة محمول كبرى تستعين بأغاني مهرجانات كوسيلة للدعاية لعروضها، الأغاني حققت عشرات ملايين المشاهدات عبر يوتيوب، وهو ما يتكرر حاليًا مع إعلاناتها.
أغنية الإعلان الناجحة تدفع المتلقي ليحفظ كلماتها ورقصة بطل الإعلان، نجاح مضمون، حتى أننا لسنا بحاجة لذكر أي أسماء هنا لتعريف الشركة والأغنية والفنان الذي قدم الإعلان.
لكي تعرف إلى أي مدى أصبحت موسيقى المهرجانات متوغلة داخل المجتمع، تأمل النقاشات والجدل الكبير على الانترنت عن حرية الفتاة وعن التحرش الجنسي، ذلك الخلاف الكبير حول ضرورة أن يتوقف الشباب عن التحرش ويتم السماح للفتيات بحرية ارتداء الملابس، الجميع يرفض الحلول الوسطى.
لكن فجأة تتلاشى عيوب المجتمع، يتوقف الحوار حول حرية الفتاة في ارتداء ما يحلو لها، يترك محاربي الكيبورد اسلحتهم ويتحد الجميع ليرددوا في صوت عالي “تلبس ضيق..وأنا ركبي تزيق”، يرددوها بسعادة وتناغم وتصالح مع النفس، ومع معنى الكلمات.