هناك مجموعة أسئلة يطرحها معظم العاملين في المجال الإعلامي والإعلاني، وهى:
كيف نواجه هجرة المشاهدين، والمعلنين من وسائل الإعلان التقليدية مثل الصحف، والتلفزيون، إلى العالم الرقمي حيث يقبع يوتيوب، ونتفليكس، وأمازون، وآبل وهافينجتون بوست، وغيرهم من الذين قادوا ثورة الرقمي على التقليدي؟
ماذا سنفعل في الآلاف من العاملين في المجال، وصناع الدراما التلفزيونية، والصحف الورقية، والمواقع التابعة لها؟
كيف نتطور بطريقة تمكننا من التعامل مع أنماط جديد في النشر، والإذاعة والمشاهدة؟
كيف نطور من نموذج العمل الذي إعتدنا عليه لثلاثة عقود، ونبدأ في التعامل مع تكنولوجيا متطورة، ومشاهد وقاريء قد يكون أكثر تطورًا ومطلعًا على العالم عن أي جيل سابق؟
وجهة نظري الشخصية، هو إن الإجابة على تلك الأسئلة تكمن في محاولة قراءة الخريطة الدولية للإعلام، ومعرفة التحديات التي بدأت تظهر في الساحة، وكيف حاولوا السيطره على هجرة المشاهدين، والقراء، وبصورة أهم المعلنين، فضلا عن الاطلاع على آخر المستجدات في التطور الرقمي، ومعرفة ماذا يمكن أن يحدث الشهر القادم وليس السنة القادمة حيث السرعة في التطور، والتي تتزايد بمرور الأيام.
يجب أن نعي أولًا أن المشاهد، أو القارىء المولود بعد عام ٨٥، ليس مثل المشاهد أو القارئ القديم .. فأسلوب الحياة المتسارع، ودخول وسائل التواصل الإجتماعي لكل بيت، ومع كل شخص، حتم على وسائل الإعلام التقليدية مواكبة تطور الجيل الألفي بمحتوى أكثر جاذبية، وإعلام حر يعتمد على الجرأة والواقعية والصدق..وذلك بعيدا عن الإعلام التقليدي المعتمد على التلقين والحكم والمواعظ.
المشاهد الألفي الذي يمثل٥٠٪ من تعداد سكان العالم، لا يحب ولا يهتم ولا يصدق الأسلوب التقليدي في الخطابة والدراما…فهو يكتشف الزيف في ثوانٍ ويبتعد عنه.
وما يقلقني هو تشكيل لجان لتطوير الدراما تعتمد على أسماء من القرن الماضي -مع كامل إحترامي لهم كشخصيات لها وزنها- لكنهم يجهلون تماما كيفية التواصل مع هذا الجيل الألفي الجديد، وبالتالي يفقدونه يوما بعد يوم لعالم الإنترنت المفتوح بلا قيود وبلا مواعظ.
ويجب أن نعي أيضا أن أسلوب الحياة الجديد المتسارع، يجب أن يقابله تطوير في آلية المشاهدة والقراءة. فالمشاهد والقاريء الجديد لا وقت عنده لانتظار ما تجود به الشاشات والمواقع، فهو يريد المتابعة من حيث يريد، وقتما يريد وذلك على الجهاز الذي يملكه… فلا وقت لانتظار مسلسل الثامنة ولا مجال لمشاهدة توك شو يظهر به شخص يتحدث لمدة ثلاث ساعات.
وسائل الإعلام التقليدية مازالت على قيد الحياة لوجود المشاهد الخمسيني فما أكثر، و هم في إنكماش، وتناقص، وبدأوا في دخول مرحلة تجعلهم هدفا غير مرغوب فيه لدى المعلنين الذين يبحثون عن المستهلك الذي في بداية أو منتصف حياته لأنه المستهلك الأكبر، وأينما وُجد تجد المعلن ورائه دون تردد.
فأرجو أن تعيد المؤسسات الإعلامية المصرية النظر في سياساتها المستقبلية… فلو كانوا يفكرون بطرح الشركات في البورصة فقد فات الوقت، ولن يستثمر أحد في وسائل قاربت على الموت، وأنصحهم بدراسة السوق العالمي، وآخر المستجدات العالمية، ودراسة أفضل الطرق لتحويل نموذج العمل الحالي لنموذج آخر يلائم المستهلك الحديث.
الفرصة تكمن في وجود عقول شابة كثيرة لها القدرة على إعادة صياغة المنظومة، لكن ما ينقصهم هو الخبرة، فمازالوا يتخبطون بمشاريعهم الرقمية العديدة في الأسواق بسبب مقاومة صناع الإعلان لهذا التغيير، ورفض الرقمي، ومحاولة البقاء على التقليدي على قيد الحياة حتى لو كان على جهاز التنفس الصناعي، لأنهم لا يفهمون هذا العالم الجديد، ولا يستطيعون السيطرة عليه. فانقطع الإتصال بين الأسلوبين مع إنهم لو إتحدا لسيطرا علي السوق الجديد.
وأخيرا فأنا أتوقع في عام ٢٠٢٢، أن مشاهدة التلفزيون ستبقى محصورة على قناة للأخبار، وأخرى للرياضة، وثالثة للمسنين، والعجزة تعرض لهم ليالي الحلمية و مسرحية العيال كبرت.
أما الصحف الورقية ستختفي تمام، و ستندثر المواقع الإلكترونية كثيرة العدد، لتدخل تحت لواء، ومظلة الشركات الكبرى مثل جوجل، وآبل، وأمازون، ونتفليكس، ومايكروسوفت، وسيصبح العالم تحت سيطرة هؤلاء الخمسة الكبار، وستنهار الإمبراطوريات الإعلامية الأخرى لعدم قدرتهم على التنافس.
الشيء الوحيد الباق، والمسيطر هو صناعة المحتوى…فمهما تغيرت الوسائل فسيظل المحتوى هو الملك، ولكن الأهم نوعية هذا المحتوى. فمسلسل أبو العروسة غير مسلسل بلاك ميرور، واللي ميعرفش الفرق، عليه الإعتزال باحترامه بعد رمضان إن شاء لله.