ثلاثي سينمائي ولا أروع اجتمعوا ليقدموا لنا فيلمًا عن كواليس “صاحبة الجلالة” في واحدة من أشهر معاركها في التاريخ، حينما قررت الواشنطن بوست نشر الوثائق السرية لحرب فيتنام، وتحدي البيت الأبيض وإدارة الرئيس نيكسون وكيف وقفت السلطة القضائية بوجه السلطة التنفيذية من أجل حرية الصحافة عن طريق الناشرة كاثرين جراهام ورئيس تحرير الصحيفة بن برادلي.
نرشح لك: رأي طارق الشناوي في فيلم رامز جلال الجديد
سبيلبرج مع توم هانكس وميريل ستريب بالطبع ليس The post أفضل أعمالهم الفنية ولكن كان هناك غرض سياسي يسبق الغرض الفني لديهم في هذا العمل، فهم يوجهون نيابة عن “حزب هوليوود” ضربة لسيد البيت الأبيض الحالي “ترامب” بسبب سلوكه في التعاطي السلبي مع الصحافة منذ أن وصل لمنصبه، يقول ستيفن سبيلبيرج إنه استلم نص الفيلم حيث كان يعمل على فيلم أخر و لكن أوقف شغله كله من أجل أن يصور the post لأنه مهم أن يشاهده الناس الأن، ولذلك لم يستعرض سبيلبرج مهاراته الفنية فكأنه كان في مهمة يريد أن ينجزها سريعا فالوقت بين قراءة النص لأول مرة وعرضه بالسينما 9 شهور فقط!
الحماس في إنجاز هذا العمل أحد أسبابه العلاقة المتوترة الأن بين ترامب والصحافة وبالفعل نجح الفيلم الذي كتبه كل من “ليز هانا” و”جوش سنجر” الحائز على أوسكار أفضل سيناريو أصلي عن فيلم Spotlight عام 2016 في إعادة “مكانة” الصحافة وأخلاق المهنة في دفاعها عن حق المواطنين في معرفة الحقائق وكشف الفساد حتى ولو تم التصادم مع السلطة الحاكمة ولذلك حمل الفيلم معان إنسانية عظيمة ولحظات من مشاعر الصدق والتحدي جسدها أبطال الفيلم خاصة المبدعة “ميريل ستريب” والتي تفوقت على توم هانكس في أول لقاء بينهما حيث جاء أداءه “عادي” بينما نجحت ستريب في تجسيد شخصية ناشرة الصحيفة “كاثرين جراهام” بشكل رائع خاصة في مشاهد القلق والتحدي قبل قرار نشر الوثائق وأحاسيسها بعدم الامان على مستقبل الصحيفة المهدد بالإفلاس كل ذلك قادها للترشح لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة للمرة 21 لتكون صاحبة الرقم القياسي في عدد مرات الترشح وقالت عن ذلك “أتشرف بالترشح للاوسكار هذا العام عن فيلم حقا أحبه و يدافع عن حرية الصحافة، ويقوم بإدراج أصوات النساء فى حركات مهمة فى التاريخ، فأنا فخورة بالفيلم وصناعه”.
أكاذيب لا تنتهي!
بداية بطيئة جدا لسيناريو الأحداث خاصة في الثلث الأول للفيلم وتوشك أن تُخرجك من قاعة السينما، ولكنها ربما مقصودة لتكون مثل تطور “شخصياته” قبل أن ينقلب العمل وتتصاعد الأحداث مع إرتفاع أداء الممثلين خاصة ميريل ستريب ونهاية دراماتيكية تجعل The Post أحد أفضل أفلام 2017 ومنافسا قويا لجوائز هذا العام “مرشح لأوسكار أفضل فيلم”.
نرشح لك: أطرف 10 نصائح لزوار معرض الكتاب 2018
ونجح المخرج أيضا في جعل المشاهد يعيش داخل عالم الصحف في صالة التحرير “ديكور رائع” بكل ما فيها من توتر قبل النشر وتفاصيل تُظهر قدرة سبيلبرج في تصوير جميع مراحل عملية نشر الوثائق مع مشاهد سيارت نقل الصحف في الصباح الباكر وتلقف برادلي ورفاقه النسخ من على الأرصفة لمتابعة ما نشره المنافسين، ومشهد التوتر الأكبر في عيون القديرة “ستريب” اثناء المكالمة الهاتفية التي تحدد مصير البوست، أحاسيس ومشاعر كثيرة نسجها سبيلبرج باقتدار حول شخصياته، فهم يقولون عن في هوليوود بداخله عالم نفسي بجانب المخرج فشاهدنا عالم نابض بالحياة من صحف ومحررين.
فيلم جريء يفضح كذب الإدارات الأمريكية المتعاقبة ويحكي قصة حرب فيتنام وكيف كان للصحافة الحرة النزيهة فضح اكاذيب رئيس البلاد ريتشارد نيكسون ومستشاريه في تبرير حربهم وخسارتهم في فيتنام ، وكيف كان للقضاء كلمة الفصل في تأكيد حرية الصحافة وبالطبع الفيلم يحاكي أيضا أكاذيب حرب واشنطن في العراق وافغانستان.
الفيلم مبني على وقائع حقيقية جرت في يونيو 1971، في عهد الرئيس نيكسون، حيث تم نشر أوراق سرية خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون تكشف تورط إدارات أمريكية متعاقبة في تعمد إخفاء الحقائق بشأن حرب فيتنام، لإقناع الرأي العام بضرورة الاستمرار في الحرب رغم إدراكها أنها حرب خاسرة.
بدأ نشر أوراق البنتاجون في صحيفة نيويورك تايمز حتى صدر أمر قضائي بوقف النشر حينئذ تقرر واشنطن بوست أن تتصدر المشهد، لنرى وقائع الصراع بين الصحافة والبيت الأبيض حول حريتها وتمسكها بحقوق النشر، الفيلم هو انتصار للصحافة وإعادة الإعتبار لدورها الهام في المجتمع ويطرح سؤالًا مهمًا هل الحق في معرفة الحقيقة وحرية تداولها وكشف الفساد أهم من هيبة الدولة والحاكم؟