تثقل القفزة الزمنية التي تحدثها أحداث مسلسل “عائلة الحاج نعمان” ( تأليف مجدي صابر ،إخراج أحمد شفيق، يعرض حالياً على قناة osn) في حلقات القسم الثاني من حكايته على إيقاع العمل، فتصيبه بالبطء والرتابة، لكن الإيقاع البطيء ليس مشكلة المسلسل الوحيدة، إذ يعاني منذ البداية من اختلال في ثلاثية دراماه الرئيسية، أي الشخصية والرغبة والصراع، وهاهو يبلغ أكثر من 75% من الزمن المفترض لروي حكايته (بلغ العمل حلقته الـ 48 وقت كتابة هذه المقالة)، ولم يزل يفتقد إلى قوى الخصومة الحقيقية،التي من شأنها أن تضفي مصداقية على القصة، وتؤسس لصراع حقيقي يبث الروح فيها.
يقفز المسلسل بحكايته في الزمن، فيوسع في شخصياته ويضاعف في المواقع التي تجري فيها أحداثه، ولكنه يبالغ بعملية التفريع الحكائي عن الحكاية الأم/الإطار، على نحو لا يمكن لنا، في كل مرة، تلمس خطة سردية واعية تربط بين الحكاية الإطار وجميع الحكايات المضمَّنة، إذ يفترض أن تكتسب هذه الأخيرة شرعيتها السردية من مساندة الحكاية الأم، شرحاً وتفسيراً وتأكيداً لمراميها، ومن دون ذلك ستفتقد تلك الحكايات مبرر وجودها في النص، ولنسأل هنا عن الشرعية السردية لحكاية “هناء” (يسرا اللوزي) التي تتبعنا يوميات عملها كمعدة تقارير فى برنامج “توك شو” وجرأتها المهنية التي أدت إلى طردها من العمل، ولنسأل عن الرابط الذي يجمع بينها وبين الصورة الكلية، غير أن بطل الحكاية الفرعية ، أي “هناء” واحدة من أحفاد الحاج نعمان..؟!
وجود “هناء” في القاهرة، لا في دمياط حيث تدور معظم أحداث المسلسل، كان يعدنا منذ البداية بشرعية إسنادية للحكاية الإطار، كونها الوحيدة من العائلة التي تعيش في الفضاء المكاني الذي يعيش فيه ابن خالها “كمال” وأمه” راضية”، فإذا ما أضفنا طبيعة عملها (معدة تقارير ميدانية)، يصبح من المقبول حدوث مصادفة بين كمال وهناء، من شأنها أن تتحول لاحقاً إلى سبب يمهد لبلوغ الحدث المحفز في الحبكة الرئيسية للعمل بلقاء الجد الحاج نعمان والحفيد كمال… ذلك الافتراض، ربما يرى البعض فيه ونراه نحن أيضاً، أقرب إلى ” كليشيه” اعتدنا عليها في أعمال كثيرة مالم تحمل مفاجأة تفردها الخاص، ربما يرى البعض الآخر أنه افتراض قد يوقع العمل في افتعال مصادفة قد لا تخدم منطق الحكاية، ولكن هذا الافتراض في الحالتين كان سيمنح الشرعية السردية لحكاية “هناء” ومكابداتها المهنية، كما أنه لن يبلغ حد بساطة تصميم قصة لقاء الجد والحفيد كما افترضها المسلسل، والتي تفتقد بكل الأحوال لابتكار وتشويق في هذه العقدة من الحبكة الرئيسية للمسلسل.
افتقاد الحبكة الرئيسية للابتكار الثري في عقدها، ستظهر بوضوح في شكل معالجة مبدأ الخصومة على النحو البسيط الذي شاهدناه في المسلسل وتجسد بشكل رئيسي في الأحداث الخاصة بعائلة “راقية” و”فخري” وولدهما إضافة إلى “ناصر”.. فالشخصيات الأربعة يجسدون، ببعد واحد، المعنى الصرف للشر بوصفه “إيقاع الضرر بالآخرين والاستمتاع بذلك”.
الطمع بالثروة وجمع المال مفتاحاً واضحاً لفهم سلوك الشخصيات الأربعة ودافع الصراع الذي يخوضوته، رغم أن هذا الدافع لا يمكن أن يكون منطقياً لوحده في فهم سلوك الابنة “راقية” التي تشارك في مغافلة والدها الحاج نعمان والاحتفال أيضاً مع زوجها وأبنها بسرقته والثناء على إيقاعهما بأبيها.!!
بكل الأحوال لندع جانباً جدل البحث في دافع رغبات الشخصيات الأربعة، ولنقبل بما يقوله ارسطو من أن سبب فعل الإنسان يصبح أقل أهمية بمجرد أن نرى الشيء الذي قام به.. ولكن أي شي قام به الأربعة يجعلنا نتغافل عن الدافع..؟ يقوم “فخري” وولده ببيع معرضين للحاج نعمان بحجة نقص السيولة وامتناع التجار عن تسديد التزاماتهم لمصنعه، تالياً سيقومان باللعب في إعدادات مكائن القياس لتوريط المهندس المسؤول عنها، بل والتجرأ على تزوير وصل الأمانة وخداع حاج النعمان… إلخ.
حسناً لنضع في مواجهة كل ذلك قدرات الحاج نعمان، كما افترضها المسلسل نفسه، فهو لم يزل على رأس عمله، ولو جزئياً، رغم تسليمه مقاليد الإدارة لزوج ابنته فخري، وهذا الأخير سيشكو من أن الحاج نعمان لم يزل يتولى كثيراً من القضايا المتعلقة بالعمل، وسنجده، أي فخري، في أحدى المشاهد يتلقى أوامر الحاج نعمان بالبدء لتجهيز صفقات تجارية مع تجار في القاهرة لشراء الإثاث الذي قامت حفيدته بتصميمه.. أي أن الحاج نعمان ليس مغيباً تماماً عن واقع عمل المصنع وأجواء السوق وأهله، لكن سيناريو المسلسل أراده غافلاً لقضايا سيكشفها الآخرون بسهولة، لنتذكر بساطة اكتشاف أزمة السيولة من قبل “ناصر” ، و كيف أن الأمر لم يكلف الرجل سوى إجراء مكالمة هاتفية لسؤال محاسب المصنع..؟!
ما حدث في تصميم قصة “عائلة الحاج نعمان” هو أن كاتب السيناريو اختار الذهاب إلى أبسط الحلول للمضي في قصته نحو خواتيمها وحل مشكلات عقدها.. وهي حلول في الجزء الكبير منها منطقية بلاشك، ولكنها افتقدت جميعها للابتكار الثري.