مع اقتراب عيد ميلاد زوجي العزيز بدأت بالتفكير المتأخر مثل العادة في هدية مناسبة له ، فبعد قصة حب مستمرة لأكثر من 14 عاما تصبح الأفكار المبتكرة صعبة والهدايا كلها مكررة، فتجعلك مضطرا إلى أن ترفع سقف التوقعات…والقيمة أيضا!
وفي وسط التفكير في هدية هذا العام أدركت –بطبعي المؤنب للنفس دائما- أنني لم أعط للمناسبة الاهتمام الكافي والوقت الكافي للتفكير فيما قد يسعده بالفعل. وقادني ذلك للتفكير بشكل أوسع وتأمل شكل حياتنا “المودرن” اليوم…كثير من التوتر وقليل من السعادة، فمثلي مثل كثير من الناس في مختلف المستويات الاجتماعية والمادية نعيش في حلقة مفرغة من الالتزامات من أجل الوصول إلى غايات مختلفة ونلاحق سراب الغاية الأهم…السعادة. فعلى حد تفكيري البسيط وغير الفلسفي السعادة هي الهدف الأسمى في الحياة، ما يطمح إليه المرء منذ طفولته وحتى آخر سنوات عمره…أن يعيش سعيدا مرتاح البال.
نرشح لك: رانيا علواني تحذف تغريدتها المثيرة للجدل
ولكني وجدت تلك الصفة تقريبا غير موجودة بصفة عامة بين أبناء جيلي على الأقل. ففي ظل المنافسة الشديدة في مختلف القطاعات أصبح كل من النجاح المهني والدخل المادي هما ما يسيطر على حياتنا اليومية، ليكون الsurvival mode مثلما يسمي بالانجليزية أو صراع البقاء هو ما يخيم علي حياتنا ويصبغها بالتوتر والترقب للخطوة القادمة…وفي سعينا المحموم للمزيد من النجاح المهني والمادي ننسي أن نعيش..أن نتوقف للحظات ونختطف لحظات للمتع البسيطة… المتعة من أجل المتعة وليس من أجل أي شيئ أو أي أحد حتى لو كانوا أعز الناس.
قد أكون مخطئة ولكني أرى المصريين في شوارع القاهرة وفي مختلف التعاملات وقد أصبحوا شعب غير محب للحياة…”عايش وخلاص”…أى متعة يفكر فيها المرء تقابل بسلسلة من العراقيل التي تجعل من حدوثها أو حتي التفكير فيها مستقبلا مستحيل…القدرة المادية وتوجيه الدخل “لحاجات أهم”، الوقت وقضائه في “حاجات أهم”، النظرة المجتمعية وحكم الناس، وكاباء أو أمهات وجود أولويات أخرى للابناء تجب أي شيء اخر…متي أصبحنا “دمنا تقيل كده؟”
وكأم وامرأة عاملة تواجه كل ما سبق تقريبا بدرجات متفاوتة أحسست أن العمر فات، أو بمعني أصح فترة المتع البسيطة التي لا تتطلب الكثير من التخطيط والحسابات قد ولت…وتم سحبي إلى دوامة لا نهاية لها، واستمعت لنصيحة والدتي العزيزة وصديقتي المقربة التي أكدت على كلامها..”الشغل موجود علطول والضغط ده هيفضل موجود، هي مسألة أولويات الواحد في الحياة”.
وبدأت بالفعل أقيم كل جانب من حياتي.. هل أريد فعلا فعل هذا أو ذاك؟ وما السبب سواء بالسلب أو بالايجاب؟ وما هي أسباب سعادتي؟ وما أحب عمله أو قضاء وقتي فيه؟.. أسئلة كثيرة أحاول الاجابة عليها ولا أدري إن كنت سأصل لاجابة شافية وقابلة للتنفيذ لجميع الأسئلة ولكنني قررت المحاولة، وأن ابدأ بخطوات صغيرة وأولها الانتباه إلى لحظات السعادة الخاطفة والمختبئة وسط يومي المشحون بالعمل والواجبات المنزلية والأسرية.
لحظات غير مكلفة ولا تستغرق من الوقت أكثر من دقائق عدة، مكالمة لصديقة اشتقت اليها، ضحكة أولادي الشقية في مقاومة وقت الخلود إلى النوم، لاستماع إلى أغنية محببة، أو ببساطة الجلوس في حضن والدتي للحظات قبل أن يحتج ابني الصغير في غيرة ممزوجة بالدموع لإيمانه بأحقيته في حضني دون منازع. وبدأت أحاول ألا أدفن تلك اللحظات أكثر بمحاولة فرض النظام والالتزام بالمواعيد والواجبات، وأن “أفوَت” أمور كثيرة قد تكون ضرورية من أجل الحفاظ على النظام، ولكنها غير مهمة مقارنة بلحظات السعادة التي تجعل حياتنا قابلة للعيش وتجعلنا قادرين على الاستمرار على أمل أن أتمكن في يوم من الأيام أن تكون تلك اللحظات هي الغالبة في الحياة اليومية.