فاطمة عبد الله (نقلا عن النهار)
يطلّ المكتب على فسحة هي مزيج من هدوء البحر وضجيج المدينة. لا يزال كلّ شيء على حاله: التفصيل، العِناد الخلّاق، والروح الإيجابية. تجلس رئيسة تحرير “النهار” نايلة تويني على كنبة في مقابل مكتب والدها. “نعم، أنا مُغامِرة”، تبتسم بثقة. في الخارج، زحمة التحضيرات الأخيرة قبل الأربعاء. حماسة، قلق، ومسؤولية. نُغلق الباب، ونبقى نحن الثلاثة: نايلة تويني المُشرفة على التفاصيل، كاتبة هذه السطور، وروح جبران تويني الصلبة المحفورة في الضمير.
نرشح لك – 50 ألف جنيه غرامة لإساءة استخدام الفضاء الإعلامي في السعودية
التعبير كلاسيكي، لكن لا مفرّ: “النهار” خلية نحل. تسير تويني بين المكاتب وتتمهّل أمام زملاء منهمكين، يضعون اللمسات الأخيرة على مشروع “الكلّ في جريدة”. حدّثينا عن 7 فبراير، يوم الحدث، و8 منه، يوم إصدار العدد. الإعلان على الشاشات والطرق ومنصّات السوشال ميديا، فأخبرينا المزيد: “تستضيف “النهار” وجوهاً وأسماء من كلّ المجالات، في السياسة والفنّ والثقافة والاقتصاد والموضة والشباب. نريدهم جميعاً أن يختبروا معنى أن يكونوا صحافيين، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الشخصية الحائزة على إجماع وطني، ليؤدّي دور رئيس التحرير، فيختار العنوان والصورة والصفحة الأولى. المهنة ليست سهلة. تتطلّب جهداً ومهارات، تُحمّل المرء مسؤولية وتضعه في مواجهة صدقيته وأمانته وضميره الإنساني. أريد مشروع “#الكلّ_في_جريدة” أن يكون تحية للصحافة وتقديراً لدور كلّ صحافي. يظنّ القارئ أنّ الكتابة مَهمّة عابرة، يُقدِم عليها أيٌّ كان. الواقع مغاير. أكثر من مئتي شخصية تجمعهم “النهار” لتؤكّد بأنّ الصحافة ليست شُربة ماء كما يُهيّأ للبعض. هي الخبر وعمقه وما بعده. وهي التفاصيل والتحليلات الموثوق فيها ودقّة الكلمة”.
الرسالة
تلمح العين مشهد ازدحام السيارات في الخارج، وهو بعضٌ من ازدحام عالمٍ لم يعد ينتظر أحداً. حذارِ البقاء في الصفوف الأخيرة. وحذارِ القطارات التي تفوت مَن يتأخّر. تدرك تويني تبدّلات الزمن، وتواجهه بالاستعداد والاستباق وترقُّب النتيجة. أنتِ مغامِرة؟ تُقدِمين على التجديد ولا تخشين العواقب؟ “أؤمن بمهنتي، لذلك أُغامر. علينا أن نكون واقعيين. الزمن تغيّر والإنسان أيضاً. لم تعد “النهار” مشروع صحافة ورقية تقدّم الخبر السياسي. أصبحنا معاً مشروعاً كاملاً متكاملاً: جريدة ورقية، موقع الكتروني شامل، صيحات، ويب تي في، سوشال ميديا، ومشاريع لن تتوقّف. “ميديا غروب”، لا جريدة تُعنى بالسياسة. ما عاد شيءٌ كما كان في الماضي”. لكنّ الأمر سبّب للبعض صدمة. “أعلمُ ذلك. حين واكبت “النهار” أخبار الفنانين للمرة الأولى، ثمة مَن تساءل بدهشة: هل يُعقل؟ اليوم، قسم الفنّ، كقسم الطبخ والصحة والتكنولوجيا وفيديوات من حول العالم، ضرورة وأساس. الغاية استمالة جميع التوجّهات والأعمار. المراهق والمثقف، القارئ الباحث عن استراحة والقارئ المُتطلّب، المُتعمّق، الباحث عما يروي عطش الأعماق”.
التفكير الجدّي
تُكمل الحديث عن رسالة المشروع الثانية: “علينا جميعاً التفكير الجدّي ببناء الوطن. اللبنانيون طاقات هائلة، ولا بدّ من وقفة موحّدة من أجل رؤية حقيقية للبنان أفضل. الأوطان حلمٌ صعبٌ، لكنّ بلوغه ليس مستحيلاً. أريد “النهار” أن تكون بيت كلّ لبناني، والثقة والمنبر. أريد التأكيد بأنّها صرحٌ حرّ حاضر دائماً، لا في المناسبات فحسب. وهذه دعوةٌ للطلاب والجامعات والجمعيات ومَن لديه قضية وكلمة، لتكون “النهار” الباب المفتوح، الصوت المسموع، واليد الممدودة”.
يتشعّب الحديث وفي النهاية يتّخذ مصبّاً واحداً: مصير الصحافة ورفض الاستسلام. “مستمرّون على رغم المِحن. سعيدة بالعمل كفريق واحد وروح واحدة. النتيجة تُفرِح القلب. على رغم التعب والسهر والتحضير واحتراق الأعصاب، استطعنا جمع شخصيات من كلّ فئات الوطن. ليتنا نستطيع ضمّ اللبنانيين جميعاً. هذا مشروع من أجل وطن حقيقي، لا يكون “مجرّد فندق”، كما عاتب يوماً غسان تويني المُفرطين به، الهاربين منه في أول طائرة. إنّه دورنا كإعلام رائد، مسؤول، مُتطلّع إلى المستقبل. دورٌ يتطلّب هزّ النفوس وخلق الوعي، ليكون لنا وطن يستحقّ الحياة”.
جبران
المكتب على حاله بعد رحيل الجسد، لكنّ الروح في منتهى الحضور. تتذكّر نايلة تويني والدها الشهيد، وتؤكّد بأنّه في الضمير والاندفاع والفكرة وإرادة البقاء ورفض الهزيمة. “نراه في كلّ مشروع، وأقول في ذاتي: ليته لا يزال هنا. ثم أستدرك: ولكنّه هنا! ترك لنا مدرسة لا تعرف الاستسلام. ملأنا بحماسة المواجهة ومتعة الإقدام واتّخاذ القرار الصحّ، فكانت فكرة “البريميوم”، وإن قابلها البعض بغضب فور إطلاقها، لكنّ الوقت أكّد ثقة الناس بـ”النهار”، من خلال كثافة الاشتراكات، وتقبّل فكرة أنّ الحصول على الخبر الدقيق مُتعِب، وكما يدفع القارئ ثمن الجريدة الورقية، لا بأس بالدفع للقراءة الالكترونية، وهذه ثقافة راقية إسوة بأعرق صحف العالم”.