خلال الشهر الماضي، خضت تجربة مهنية سريعة كرئيس لتحرير إحدى المنصات العاملة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تعني بتقديم محتوى إعلاميا راقيا وهادفا، وخلال التجربة القصيرة التي وضعت أوزارها سريعا لأسباب شخصية، استخلصت عددا من الدروس المستفادة.
أولا: عندما تتقدم إلى عمل، فأنت أمام احتمالين، الأول أنك مُختار بالاسم وبناء على ترشيح ما لهذه المهمة، أو أنك تسعى لنيل الفرصة، وستخضع لاختبارات ما أو تقييم ضمن آخرين ليتم اختيار أحدكم أو بعضكم. أما إذا كان العمل هو رئاسة تحرير عمل إعلامي ما، فإن الاحتمال الثاني هو الأرجح، وبالتالي فأنت مُطالب بالفهم الدقيق لطبيعة الوسيلة، وجمهورها، وسياستها التحريرية، التي يضعها مالكها أو ممولها، وحدود إمكانية إحداث تغيير في تلك السياسة التحريرية، وفي جميع الحالات، قدّم نفسك لرئيس العمل خلال أول مقابلة بأفضل صورة ممكنة، حدثه عن خبراتك السابقة، وأعمالك الحالية، والنجاحات التي حققتها، وخلفياتك التعليمية والثقافية، وتذكر أن الانطباعات الأولى تدوم طويلا.
ثانيا: كرئيس تحرير، أنت مطالب بوضع توصيف دقيق للغاية للعمل، والمهام الوظيفية لكل عضو من فريق العمل، واكتشاف قدرات كل فرد فيه، في أسرع وقت ممكن، خاصة إذا كنت مديرا وفد حديثا على آخرين أسبق منه في المكان، مع حسن اختيار فريقك إذا كنت أنت المسئول عن تشكيله.
ثالثا: من الطبيعي ألا يتوقف مالك أو ممول الوسيلة عن التدخل في عملك، أو محاولة تمرير توجهاته أو أفكاره أو مصالحه عبرها، ولم لا وهو الممول وصاحب رأس المال، ولكن شتان بين مالك يفهم تفاصيل المهنة ويعيها، وآخر غريب عنها، مجرد “بنك” بشري، الأول يصعب خداعه مهنيا، ولكن يمكن التعامل معه مهنيا أيضا، أما الثاني فيمكن خداعه، ولكن يصعب التعامل معه في بعض الأحيان.
نرشح لك: “تنظيم الإعلام”: هذا شرط عودة برنامج “SNL بالعربي”
رابعا: لا تقم بأكثر مما طُلب منك، ولا تتطوع بإنجاز مهام لم تتفق على إنجازها، ولم تتقاض مقابلا عنها، فإنك إن نجحت فيها صارت حقا مكتسبا لصاحب العمل، وفرضا مقررا عليك، وإن فشلت فيها، فستعاقب عقابا مضاعفا، الأول لفشلك، والثاني لتدخلك فيما لا يعنيك.
خامسا: إذا طلب منك مالك أو ممول الوسيلة عملا إضافيا، فهذا يعني أنك أيضا تستحق أجرا إضافيا، لا تخجل، وتكلم في الجوانب المادية بكل وضوح وصراحة، فصاحب العمل لن يخجل عندما يطالبك بالإنجاز المنتظر، ولن يخجل عندما يلومك على التقصير، وعادة سيضن عليك بالتقدير المعنوي، وكلمات الشكر والتقدير.
سادسا: رئيس التحرير حلقة وصل، وفقرة مفصلية، بين الإدارة العليا ممثلة في المالك أو الممول، وعموم العاملين في المؤسسة، ولذلك كن عادلا بين الطرفين، واكفل للطرفين حقوقه في مقابل أداء واجباته، وانقل صورة واقعية لأداء كل طرف للآخر بدون تجميل أو تشويه، واحظ باحترام الجميع بألا تكون جاسوسا عليهم، أو بالعامية المصرية “عصفورة”.
سابعا: الإداريون في المؤسسة من غير الإعلاميين، كالمحاسبين، والشئون القانونية، وحتى عمال الأمن والنظافة، فئات لا يستقيم العمل إلا بها، فتعامل معها بالاحترام والتقدير اللازمين، فقد يتسبب سوء تقديرها في تعطيل العمل كله، بينما يدعم اعتبارها جزءً من فريق العمل الجهود المبذولة، ولكن احذر من تدخلهم في غير تخصصاتهم.
ثامنا: انسب النجاح للكل، والفشل لصاحبه، لا تنسب النجاح لنفسك، وكن قائدا يتقدم الجميع، ويبادر بالعمل، ويبذل أكبر قدر من الجهد، واسبق الجميع بخطوتين أو أكثر في التفكير، احترام الفريق لك لن يتحقق بمجرد أن تسبقهم سنا أو ترأسهم منصبا، وإنما بالعلم والخبرة وحسن التصرف والإدارة، سيتحقق الاحترام عندما يشعرون بأن “رُبّان السفينة” لن يُغرقها.
تاسعا: ليس من رأى كمن سمع، فالكثيرون يطمعون في سلطة اتخاذ القرار، ويظنون أن رئاسة التحرير ميزات مضاعفة، ورغم صحة ذلك نسبيا ربما من الناحية المادية، فإنها أعباء مضاعفة أيضا، وضغوط نفسية وذهنية لا حصر لها، ومسئولية ملقاة على كاهلك، وحجر على صدرك، سينخلع قلبك مع مرور الأيام والساعات وربما الثواني، وأنت تتابع تنفيذ العمل المتأخر، وتتوقع العقبات والعراقيل التي ربما تواجه العمل عند تنفيذه.
عاشرا: لا تميز بين فريق العمل على أساس من السن أو الدين أو الجنس أو الصداقة، فقط التمييز يكون على أساس الكفاءة والخبرة، اعقد اجتماعات مكثفة وقصيرة معهم، لمتابعة سير العمل، وشجع المتميز علنا، وشجع المقصر علنا أيضا على إنجاز عمله، وابحث عن سبب التقصير، وساعده على إزالته، خير من تحطيمه معنويا أمام الجميع، مع ضرورة ترسيخ منظومة ثواب وعقاب واضحة وشفافة.
حادي عشر: اندمج في العمل، وتابع كل صغيرة وكبيرة، ودقق في التفاصيل، وتصدّ للمشكلات ولا تلتف عليها، فتجُاهلها يزيدها تعقيدا ولا يحلها، اترك بصمتك، ولا يكن وجودك مثل عدمه.
ثاني عشر: عظّم الإيجابيات في بيئة العمل، واعمل على استمرارها ونشرها، وحدد العقبات التي تواجه العمل، ماديا ومهنيا وروتينيا، وربما سياسيا أو قانونيا، واطلع صاحب العمل عليها ، وعلى محاولاتك لتذليلها باستمرار؛ ليقدّرها ماديا ومعنويا، أو يعاونك على حلها.
أخيرا.. غادر العمل إذا لم تشعر بالتقدير الكافي، ماديا ومعنويا، وإذا لم تشعر بالرضا نحو ما تقوم به، ونحو أداءك للأعمال الموكلة إليك، ولتكن المغادرة راقية، وخروجك كخروج الفرسان..
نرشح لك: 24 إصدارًا جديدًا للصحفيين بمعرض الكتاب